Search from the table of contents of 2.5 million books
Advanced Search (Beta)
Home > الأدب القرآني عند مصطفی صادق الرافعي > البــاب الأول: أدب القرآن الكريم تعريفه وآثاره

الأدب القرآني عند مصطفی صادق الرافعي |
Asian Research Index
الأدب القرآني عند مصطفی صادق الرافعي

البــاب الأول: أدب القرآن الكريم تعريفه وآثاره
ARI Id

1683034285969_56115542

Access

Open/Free Access

الفصـل الأول : تعريف القرآن الکریم و الأدب لغة واصطلاحاً

القرآن الكريم هو الكتاب الرئيسي في الإسلام، الذي يُقدِّسه ويؤمن به المسلمون أنّه كلام الله المنزّل على نبيه محمد للبيان والإعجاز،المنقول عنه بالتواتر حيث يؤمن المسلمون أنه محفوظ في الصدور والسطور من كل مس أو تحريف، وهو المتعبد بتلاوته، وهو آخر الكتب السماوية بعد صحف إبراهيم والزبور والتوراة والإنجيل.كما يعدّ القرآن أرقى الكتب العربية قيمة لغوية ودينية، لما يجمعه بين البلاغة والبيان والفصاحة.وللقرآن أثر فصل في توحيد وتطوير اللغة العربیة وآدابها وعلومها الصرفية والنحوية، ووضع وتوحيد وتثبيت اللّبنات الأساس لقواعد اللغة العربية۔

تعريف القرآن لغة

قال الله تعالی:" إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ  فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَه ([1])لفظ القرآن مصدر مشتق من ( قرأ ) يقال قرأ ، يقرأ ،قراءة ، وقرآناً۔  

فالقرآن لغة: الجمع. تقول: قرأت الشيء قرآنا، إذا جمعت بعضه إلى بعض.

قال أبو عبيدة: وسمي القرآن لأنه يجمع السور ويضمها([2])

اختلف العلماء -رحمهم الله تعالى- في لفظ القرآن لكنهم اتفقوا على أنه اسم فذهب جماعة من العلماء منهم الشافعي، الأشعري، ابن كثير ، الفراء، اللحياني ، الزجاج و ابن الأثير وغیر ذلک من العلماء اللغویین الذین ذهبوا إلى أنه اسم جامد غير مهموز الان نورد بعض التعريفاتهم اللغوية ۔

قرأ ابن كثير وهو اسم للقرآن مثل التوراة والإنجيل.([3])

وقال الأشعري: إنه مشتق من قرنت الشيء بالشيء إذا ضممته إلیه ومنه قولهم: قرن بين البعيرين إذا جمع بينهما ومنه سمي الجمع بين الحج والعمرة في إحرام واحد قران.([4])

وقال الفراء: إنه مشتق من القرائن جمع قرينة لأن آياته يشبه بعضها بعضا.([5]).

قال اللحياني: إن القرآن مصدر مهموز بوزن الغفران مشتق من قرأ بمعنى تلا سمي به المقروء تسمية للمفعول بالمصدر([6])

وقال الزجاج: إنه وصف على وزن فعلان مشتق من القَرْء بمعنى الجمع ومنه: قرأ الماء في الحوض إذا جمعه([7]

قال ابن الأثير: "وسمي القرآن قرآنًا لأنه جمع القصص والأمر والنهي والوعد والوعيد والآيات والسور بعضها إلى بعض وهو مصدر كالغفران والكفران" ([8]).

يَقُولُ الشافعي: الْقُرَانَ اسْمٌ وَلَيْسَ بِمَهْمُوزٍ ولم يؤخذ من قرأت وَلَكِنَّهُ اسْمٌ لِكِتَابِ اللَّهِ مِثْلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ.([9])

لقد بذل العلماء العلماء كل وسعهم لإيجاد تعريف للفظة القرآن فتناولوها من الجانبين اللغوي والاصطلاحي كما هو معهود عند كل تعريف، وأوردوا في ذلك أقوالاً وآراء يكاد يكون كل واحد منها تكراراً للآخر.

تعريف القران اصطلاحا

 هو كلام الله المعجز المنزل على محمد (صلى الله عليه وسلم) ، المكتوب في المصاحف، المنقول بالتواتر، المتعبد بتلاوته([10])

قال الشافعي رحمه الله تعالى وهو: ان لفظ القرآن المعرف بأل ليس مهموزا ولا مشتقا بل وضع علما على الكلام المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم وأما القرآن فقد قال أهل السنة القرآن كلام الله تعالى منزل غير مخلوق منه بدأ وإلیه يعود وهو مكتوب في المصاحف محفوظ في الصدور مقروء بالالسنة مسموع بالآذان والاشتغال بالقرآن من أفضل العبادات سواء كان بتلاوته أو بتدبر فيه([11])

ومن التعاريف التي ذكرها العلماء والكتاب للقرآن الكريم ما يلي:

قال الجرجانی في تعريف القرآن هو: المنزّل على الرسول، المكتوب في المصاحف، المنقول عنه نقلاً متواتراً بلا شبهة ([12]) .

وقيل أيضاً في تعريف القرآن الكريم هو: كلام الله المعجز المنزّل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بالوحي المنقول إلینا بالتواتر ([13]) .

قال الباقلانی: اسم للمتلوّ المحفوظ المرسوم في المصاحف ([14]) .

قال الرازي: اسم لما بين الدفتين من كلام الله ([15]) .

قال الشوكاني: الكلام المنزّل على الرسول، المكتوب في المصاحف، المنقول إلینا نقلاً متواتراً([16]).

قال الزُّرْقاني: اللفظ المنزّل على النبي صلى الله عليه وسلم من أول الفاتحة إلى آخر سورة الناس([17]) .

اختص القرآن الكريم بخصائص كثيرة ولعل هذه الخصائص سبب الاختلاف في تعريف القرآن بين العلماء، فكل تعريف يذكر خاصية للقرآن يعرف بها لا يذكرها الآخر ولهذا تعددت التعريفات.

 الان نقدم بعض التعريفات عن الاصوليين والمتكلمين۔

تعريف القرآن عند الأصوليين والفقهاء وأهل العربية:

 هو كلام الله المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم المعجز بلفظه، المتعبد بتلاوته المنقول بالتواتر، المكتوب في المصاحف، من أول سورة الفاتحة إلى آخر سورة الناس ۔  ([18])

القرآن هو كلام الله المعجز، ووحيه المنزّل على نبيه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، المكتوب في المصاحف، المنقول عنه بالتواتر، المتعبد بتلاوته ([19]).

ولعلماء الأصول والفقهاء تعريف للقرآن خاص بهم يقولون فيه: هو كلام الله المنزل على نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-المعجز بلفظه، المتعبد بتلاوته، المنقول بالتواتر، المكتوب في المصاحف من أول سورة الفاتحة إلى آخر سورة الناس.([20])

وردت عن العلماء تعريفات كثيرة للقرآن الكريم وهذه التعريفات تتفاوت من ناحية الشمول، فبعضها أشمل من بعض، وتتفاوت كذلك من ناحية الألفاظ. إن قل الاعتداد بكثرة ألفاظ التعريف أو قلتها - أقر بأن التعريف ينبغي أن يكون دالاً على جميع أجزاء المعرف بأقل لفظ ممكن، مهما كثرت ألفاظه.

هناك تعريفات متعددة ولكن نحن نتفق بتعریف السیوطی لانه قال القرآن من مادة ’’قرأ بمعنى تلا سمي به المقروء ‘‘ باسم المفعول وأنه ذكر تعريفات متعددة من اللغوين مثلاً الشافعي،الراغب ،الزجاج ،أبو عبيدة و قطرب ولكن المختار عندالسيوطي فِي هذه المسألة ما نص عليه الشَّافعي۔

تعريف الأدب لغة

 كلمة "أدب" لغةً:من أدُب يأدب مأدبةَ ، والآدب وهي تحمل معنىً واضحا في الجاهلية، بل كانت تنحسر في مدلولاتها لتدل على معنى (كالدعوة إلى مأدبة أو وليمة) كما قال الشاعر طرفة بن العبد:

نحن في المشتاة ندعو الجفلى *** لاترى الآدِبَ فينا ينتقر([21])  

والجفلى هي الدعوة العامة و الآدب هو الداعي.

ان لكلمة أدب في المعاجم العربية معان متعددة منها:

فَالْأَدْبُ أَنْ تَجْمَعَ النَّاسَ إِلَى طَعَامِكَ. وَهِيَ الْمَأْدَبَةُ وَالْمَأْدُبَة .كما ذُكر في كتاب العين للفراهيدي’’ أدب: رجلٌ أَديبٌ مُؤَدَّبٌ يؤدب غيره ويتأدب بغيره. والآدِبُ: صاحبُ المَأْدُبة، وقد أدَبَ القَومُ أدْباً، وأَدَبتُ أنا. والمَأدوبة: المرأة التي صُنعَ لها الصَّنيعُ ‘‘([22])

والأَدْبُ: مَصْدَر، أَدَبَ القومَ يَأْدِبُهُم، بِالْكَسْرِ، أَدْباً، إِذَا دَعَاهُمْ إِلَى طعامِه. والآدِبُ: الداعِي إِلَى الطعامِ.

قال ابن منظورالافریقی:

 

زَجِلٌ وَبْلُهُ، يجاوبُه دُفٌّ ... لِخُونٍ مَأْدُوبَةٍ، وزَمِيرُ’’ الَّتِي قَدْ صُنِعَ لَهَا الصَّنِيع‘‘([23])

وقال أيضاً :

الأدب الذي يتأدب به الأديب من الناس ، سمي أدبا لأنه يأدب الناس إلی المحامد وينهاهم عن المقابح ۔([24])

قال الجوهري:

مصدر أدب القوم يأدبهم بالكسر، إذا دَعاهُمْ إلى طعامِه. والآدِبُ: الداعي ، حكاها أبو زيد، واسم الطعام المأدبة والمأدبة.([25])

يقول ابن فارس:

"الهمزة والدال والباء، أصلٌ واحد تتفرع مسائله وترجع إلیه: فالأدْب أن تجمع النّاس إلى طعامك، وهي المَأْدَبَة والمأدُبَة، والآدِبُ الداعي"، ثمّ قال: "ومن هذا القياس الأدَبُ أيضاً، لأنّه مُجمَعٌ على استحسانه"([26]).

يقول ابن القيّم:

 "وهذه اللفظة مؤذنةٌ بالاجتماع، فالأدب: اجتماعُ خصال الخير في العبد، ومنه المأدبة، وهي الطعام الذي يجتمع عليه الناس". ([27]) کماجا فی الحدیث :

’’عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: " إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ مَأْدُبَةُ اللهِ، فَتَعَلَّمُوا مِنْ مَأْدُبَتِهِ مَا اسْتَطَعْتُمْ‘‘([28])

 قال صاحب مختار الصحاح

 (أَدُبَ) بِالضَّمِّ أَدَبًا بِفَتْحَتَيْنِ فَهُوَ (أَدِيبٌ) وَ (اسْتَأْدَبَ) أَيْ (تَأَدَّبَ). ([29])

قال الجوهري في بيان معني الأدب لغة:

الأَدَبُ: أدَب النَّفْس والدَّرْسِ، تقول منه: أَدُبَ الرجُلُ بالضم فهو أَديبٌ، وأَدَّبْتُهُ فَتأَدَّبَ. وابن فلان قد استأدَبَ، في معنى تأدب. ([30])

الان نقدم بعض المصطلحات حول ’’ أدب ‘‘

قال الجرجانيّ، الّذي عرّف الأدب بعبارةٍ مختصرةٍ، قائلاً:

 "الأدب: عبارة عن معرفة ما يُحترز به عن جميع أنواع الخط ۔

قال الزبيدي :

 ’’الأَدَبُ مَلَكَةٌ تَعْصِمُ مَنْ قَامَت بِهِ عمَّا يَشِينُه‘‘([31])

يقول ابن القيّم: 

علمُ الأدب:"هو علم إصلاح اللسان والخطاب، وإصابة مواقعه، وتحسين ألفاظه، وصيانته عن الخطأ والخلل، وهو شعبةٌ من الأدب العام"([32])

"الأدب هو حفظ أشعار العرب وأخبارهم والأخذ من كل علم بطرف من علوم اللسان أو العلوم الشرعية من حيث متونها فقط، وهي القرآن والحديث."([33])

وتعريف ابن القيّم يخُصُّ مجالاً من مجالات اللّغة العربيّة، لكنّه كذلك يعتني بجانبٍ من أهمّ جوانب الأدب، على حدّ قول الشاعر الجاهليّ الحكيم زهير بن أبي سُلمى:

لسانُ الفتى نصفٌ ونصفٌ فؤادُه      فلم يبقَ إلا صورةُ اللّحم والدّمِ([34])

أن الأدب في أصله عبارةٌ عن علمه وغايته وهدفه عبارةٌ عن عمل يقوم به الإنسان لأن الأدب علمٌ ينتج عنه عمل.

أما استعمالات هذه الكلمة في كتب أهل العلم ، فإنها تأتي بمعنى خصال الخير مثل آداب الطعام وآداب الشراب وآداب النكاح وآداب القضاء وآداب الفُتيا وآداب المشي وآداب النوم ونحو ذلك ، وللعلماءفي هذا مصنّفات .

 ويُطلق بعض الفقهاء كلمة آداب على كل ماهو مطلوب سواءً كان واجبًا أو مندوبًا و كلمة الأدب تطلق أيضاً على ما يتعلق باللغه من إصلاح اللسان ، وفن الخطاب ، وتحسين الألفاظ ، والصِّيانه عن الخطأ والزلل .وقد صنف ابن قتيبة- رحمه الله -  في ذلك " أدب الكاتب " . إذاً  فكلمة الأدب المستعملة في اللغة - مثل ما يرتبط بالشعر والنثر ، حيث أطلقوا على بعض الأشياء المتعلقه باللسان  من الشعر والنثر أدباً۔ وفي "المصباح المنير" : (( قال أبو زيد الأنصاري : الأدب : يقع على كل رياضة محمودة يتخرج بها الإنسان في فضيلة من الفضائل([35])

الفصـل الثاني:  مفهوم الأدب والأديب عند مصطفى صادق الرافعي

حظي مفهوم الأدب والأديب منذ زمن طويل بعناية بالغة من قبل النقاد العرب قدامى ومحدثين على اختلاف رؤاهم وتعدد مشاربهم. إذا اعتبرت الخيال في الذكاء الإنساني وأوليته دقة النظر وحسن التمييز، لم تجده في الحقيقة تقليدًا من النفس للألوهية بوسائل عاجزة منقطعة، قادرة على التصور والوهم بمقدار عجزها عن الإيجاد والتحقيق.

 ومصطفى صادق الرافعي واحد من كبار أدباء العرب وناقديهم الذين أبدوا عديدا من الآراء في تعريف هذين المصطلحيْن، حيث أولى مجال الأدب تعريفاً وماهيةً أوفر نصيب من عنايته، كما قال في كتابه وحي القلم:

" الأدب، أنه لا بد معه من البيان؛ لأن النفس تخلق فتصور فتحسن الصورة؛ وإنما يكون تمام التركيب في معرضه وجمال صورته ودقة لمحاته؛ بل ينزل البيان من المعنى الذي يلبسه منزلة النضج من الثمرة الحلوة إذا كانت الثمرة وحدها قبل النضج شيئًا مسمى أو متميزًا بنفسه، فلن تكون بغير النضج شيئًا تامًا ولا صحيحًا، وما بد من أن تستوفي كمال عمرها الأخضر الذي هو بيانها وبلاغتها".([36])

وعبارة الرافعي في تعريف الأدب تدلّ على أنه الأديب العربي أعظم أثر في وقته، إذا ما تحققت له عناصر الأدب، التي حصرها في الحياة والخلْق والقوة والإبداع، ومن فعإلیتها في النص الأدبي تأتي قيمة ذلك الأدب.

ونجد الرافعي بعد ذلك يذهب في تحديد مفهوم الأدب بعد تصوره لواقع الأدب في أيامـه، ويقف عند حدّ بيان أنَّ الأدب العربي كان يعاني محنـة ليس فقـط : "في الأدب من لغته وأسإلیب لغته، ومعانيه وأغراض معانيه، بل حتى في القائمين عليه في مذاهبهم ومناحيهم وما يتفق من أسبابهم وجواذبهم" ([37])

ومن هذا المنطلق، عكف الرافعي على الإصلاح اللغوي كمرحلة أساسية لوضوح الرؤية في التنظير للأدب كما يقول حلمي مرزوق، أنَّ "العُجْمَة قد غلبت على ذوق العصر وأنَّ العامية تفشت فيه، فأحرى به أنْ يحمل على الصحيح لا أنْ يُقاس الصحيح إلى خطئه"([38])

ومن هنا حدد المنهج الذي يسلكه، بدءً بالاهتمام بقضية اللفظ والمعنى أو بمنهجه البياني، حيث أدرك حقيقة أنَّ الألفاظ عناصر أساسية بدونها لا يُعْتَمد الأدب، فلا فضل للمعنى على الصياغة اللغوية وإنما تعوزهما أهمية متساوية لكل منهمـاكماذكر في كتابه: "إذا قيـل الأدب، فاعلـم أنه لابد معه من البيان، لأنَّ النفس تخلق فتصور فتحسّ الصورة، وإنما يكون تمام التركيب في معرضه وجمال صورته دقّة لمحاته" ([39])

وبذلك، يرى الرافعي أنَّ صناعة الأدب لا تؤدي وظيفتها إلاَّ داخل سياق الألفاظ، وعلى الأديب الذي يستهدف الإبداع نظماً ونثراً، عليه طلبه بعد أن تستقر له ملكة البيان ويتخلص من العُجْمَة. ولا نرى الرافعي في هذا الطرح إلا أنه يقرر ما ذهب إلیه قبله ابن جني في خصائصه حين قال: "فإذا رأيت العرب قد أصلحوا ألفاظها وحسنوها، وحموا حواشيها وهذبوها، وصقلوا غروبها وأرهفوها، فلا ترينَّ أنَّ العناية إذْ ذلك إنما هي الألفاظ، بل هي عندنا خدمة منهم للمعاني، وتنويـه بـها وتشريف منها" ([40])

والرافعي بذلك يقرب من إمام البيان العربي، الجاحظ، قرباً بيِّناً، بل إنه ينقل رأي الجرجاني، حيث يذكر "أنَّ فضل الشعر بلفظه لا بمعنـاه، وأنه إذا عدم الحسن في لفظه ونظمه لم يستحق هذا الاسم بالحقيقة" ([41]). ومن هذا يتبين لنا أنَّ الرافعي كالجاحظ والجرجاني في العناية بالصياغـة، التي يعتبرها وسيلة انفراد النص وتميـزه عن غيره.

فإذا تدبرنا فيما تقدم، حكمت بعلوّ اللفظ و"غموضه " وبانعدام الفائدة في المعنى، إلا أنَّ الرافعي في كل ذلك لا يتصور للفظ موضعاً من غير أنْ يعـرف معنـاه وبعد أنْ يفرغ من معرفة المعاني وترتيبها في نفسه، يتبعها بالألفاظ الدالة عليها، وبدون ذلك لا يتأتى له أنْ يشتق لفظاً من لفظ، وذلك هو الأصل في الاشتقاق.

الأفكار عن مفهوم الأديب

حيث قال ابن عبد ربه :

’’ لا يستغنى الأديب عن ثلاثة واثنين: فأمّا الثلاثة: فالبلاغة والفصاحة وحسن العبارة. وأما الاثنان فالعلم بالأثر والحفظ للخير.([42])  

أما الاثنين منها العلم بالاثر فقال ياقوت الحموي عن العالم و الأديب فی معجم الأباء:

’’والفرق بين الأديب والعالم أن الأديب من يأخذ من كلّ شيء أحسنه فيألفه، والعالم من يقصد لفنّ من العلم فيعتمله ولذلك قال علي كرّم الله وجهه: العلم أكثر من أن يحصى فخذوا من كلّ شيء أحسنه.‘‘([43])

رأي عمر الدسوقی عن مفهوم الأديب

’’ أن الأديب الأصيل هو الذي يكون له أسلوبه الخاص؛ لأن الأسلوب صورة من النفس، ولكل ذهن التفاتاته الخاصة، وطريقة في تناول المسائل وعرضها ‘‘([44])

وبهذا المنحى يؤمن كمال زكي "بأنَّ الأديب يعيش بإحساسه أكثر مما يعيش بعقله، أيْ أنه يفسر حياته تفسيراً قائمـاً علـى الوجـدان" ([45]).

ويمضي الرافعي، بعد ذلك، مؤكداً سرّ تلك اللغة وغناها، الذي يراه دائماً ألفاظها وفي اتساع وجوه التصرف فيها، تأكيداً شاملاً، وذلك حين يعمق هذه النظرة باللجوء إلى الكشف عن الصلة التي يجب أن تنفصم بين الأديب المجدد واللغة وفق ما تؤديه شروط محددة بينهما كالحرية والنظام والنمو ([46])

من أجل ذلك، نميل إلى القول بأن سبب خلود الرافعي في عصره وبعده يكمن فـي هذه الأمور على الخصوص، وهي ترجع إلى طبيعة منهجه البياني بزواياه اللغوية المنوعة التي كشفت لنا عن قدرته على تصريف العبارة وتنويع الأسلوب طبقاً لمقتضيات القول: "على أن العبرة هنا وهناك ليست في الوقوف على هذه القوانين أو أصول هذه المزية، وإنما هي في نفس الثقافة والمعرفة بهذه الأداة، والرافعي كان موفور الحظّ في هذه الجهة" ([47])

هذه المآخذ في أسلوب الرافعي تسلم إلى إثبات أنَّ الرافعي كان يعمد إلى الغموض والالتواء قصداً، ويلجأ إلیه عمداً.

ونحن من جانبنا لا نرتاب في أن الرافعي كان يتعسف أحياناً في أسإلیبه تعسفاً واضحاً في غالبية مؤلفاته الشعرية كالسحاب الأحمر، وحديث القمر، ورسائل الأحزان، وأوراق الورد، وغيرها. ومنها نورد قـولـه : "وفي تلك الساعة كانت الأرض قد عريت من أواخر الناس وطوارق الليل وبقية من يقظة النهار تحبو في الطريق ذاهبة إلى مضاجعها" ([48]). وقوله في مقام آخر واصفاً البحر: "فكأنما البحر سحاب عظيم قد حبسه الله في الأرض فهو أبداً ثائر يضج ويرعد ولا يبرح تنازع الأرض أنْ يفرّ منها" ([49])

فعندما ينظر الرافعي، مثلاً، إلى ألوان الطبيعة من أرض وليل ونهار وبحر، إنما ينظر إلى جمالها الشكلي وتشكلها عبر الأيام والسنين، فأحسّ بتلك اللذّة جمإلیة التي كانت ترتديه، ولم ينظر إلیها في وظيفتها التي تقوم بها. وهو بذلك يحيلنا على ذلك السر الذي لا يـراه إلا في أنَّ "الجمال حيث أصبته شيء واحد يكبر ولا يصغر، ولكن الحسّ به يكبر في أناس ويصغر في أناس، وها هنا يتأله الأدب، فهو خالق الجمال في الذهن، والممكن للأسباب المعينة على إدراكه وتبين صفاته ومعانيه" ([50])

على أن هذه الخاصية لن تستطيع أن تضفي على نصوصه بعداً جمإلیاً بدون صياغة وأسلوب، وقد "ذهب النقد الأدبي إلى أبعد من ذلك حين رأى أنَّ في الإمكان الوصول إلى أقصى آفاق الجمال بتتبع جرس الألفاظ دون المعاني" ([51])، و هذاالقول يشير إلى ذلك بأنه لا يمكن تصور وجود أدب بدون أسلوب لدى أيّ باحث أو متذوق أو ناقد، فالصلة بينهما متينة وأكيدة۔

فـنّ الأدب بين الأسلـوب والقيم الجمإلیة

جاء تصور الرافعي للازدواجية الواجبـة في فـنّ الأدب بين الأسلـوب والقيم الجمإلیة، حين تمثل في قوله "بأن البيان صناعة الجمال في شيء وجماله هو من فائدته، وفائدته من جماله، فإذا خلا من هذه الصناعة التحق بغيره، عاد باباً من الاستعمال بعد أنْ كان باباً من التأثير" ([52])

هذه هي نظرية الرافعي في جمإلیة النص الأدبي التي تقوم أساساً على الكشف عن أسرار جمال العبارة وما يبلغه الأدب من أهداف مثل التأثير في نفس المتلقي، وحصول ملكة الذوق التي تهيئ للأديب تقدير عمله الأدبي والوقوف عند أسرار الحسن فيه. ثم ينتقل من هذه الفكرة إلى فكرة أخرى أعمق وأدق من الأولى. وهي التي يجملها قوله :

"فالغرض الأول للأديب المبين أنْ يخلق للنفس دنيا المعاني الملائمة لتلك النزعة الثابتة فيها إلى المجهول وإلى مجاز الحقيقة ولن يكون الأدب أدباً إلاَّ إذا وضع المعنى في الحياة التي ليس لها معنى، أو كان متصلاً بسرّ هذه الحياة فيكشف عنه أو يومئ إلیه من قريب، أو غيَّر للنفس هذه الحياة تغييراً يجيء طباقاً لغرضها وأشواقها" ([53])

وإنَّا لنجد في قول الرافعي هذا مدى اهتمامه التي يراها مصدر كل معرفة ومنبع القوة والإلهام والإبداع الأدبي في الأديب، بل يتعمق الرافعي أكثر حين يعين الشعور العميق المتأصل في نفس كل أديب هو المعين على تتبع أثر المبدع في مثيره طلباً للسمو والجمال الفني. ولذلك يبقى، كما يذهب إلیه أحمد عامر، دائمـاً: "الأدب صورة النفس، أو ترجمان النفس، والشاعر أو الأديب هو الذي يعبر عن نفسه، فيجيد التعبير بلا تزويق ولا تنميق، إنه يترك نفسه على سجيتها تنبض بما في داخلها، مندفعة بطاقات التجارب المتعـددة" ([54])

ومن أجل ذلك، ظلَّ الرافعي يفرز عالمه الرحب والأبقى على غرار عوالم الأدباء، زاهداً عن كل ما بالحياة ابتغاء التفرد والاستئثار بعلوّ المنزلة. وقد رست تلك الحقيقة لديه لما قادته شحناته النفسية والشعورية إلى أساس ذلك الفن المرجو الذي لم يره إلاَّ بعد "ثورة الخالد في الإنسان على الفاني فيه، وأنَّ تصوير هذه الثورة في أوهامها وحقائقها بمثل اختلاجاتها في الشعور والتأثير، هو معنى الأدب وأسلوبه" ([55])

هذا ما يقودنا إلى القول بأنَّ معنى الأدب عند الرافعي، يتحدد في تلك العلاقة بين الأدب والنفس المبدعة التي توجد ذلك التوازن بين العقل والقلب لدى الأديب. وهنا تتمثل لنا النظرة الجديدة إلى الأدب عند الرافعي: إنها تلك الثورة الفنية الجديدة التي أضافهـا إلى رصيدنـا الأدبي، المجسدة في تلك الخواطر الأدبية ذات القيمة الفنية، والمنبعثة من أعماق نفسه الملهمة بعد أنْ اعتملت فيها انطباعاته القوية أثناء تجربته الشعرية التي مرَّ بها، فكان الأدب عنده على الإطلاق علم المشاعر والأحاسيس، وما القلب إلاَّ ضوء الحقيقة في مثيره الفني.

الفصـل الثالث: أثر القرآن في الأدب من جهة ألفاظه و جهة معانيه

 كان الإعجاز القرآني خليقا أن يثير في الحياة الإسلامية مباحث على جانب عظيم من الأهمية يتصدى بها العلماء للكشف على وجوه البلاغة القرآنية.

 وبذل العلماء جهودا مشكورة، وقاموا بمحاولات مضنية، لإبراز البلاغة القرآنية في صورة موحية ذات ظلال، ولكنهم وقفوا غالبا عند النص الواحد، فاقتطعوه اقتطاعا من الوحدة القرآنية الكبرى ، ودرسوه دراسة تحليلية جزئية ذهب بمعالم جمالها الذي لا يتناهى حول مشكلة اللفظ والمعنى، فكانت النزعة الكلامية تفسد عليهم تذوقهم للنصوص، وإدراكهم مواطن البلاغة والإعجاز. قال الجاحظ في كتابه الحيوان: "ولي كتاب جمعت فيه آيات من القرآن الكريم لتعرف بها ما بين الإيجاز والحذف، وبين الزوائد والفضول والاستعارات، فإذا قرأتها رأيت فضلها في الإيجاز، والجمع للمعاني الكثيرة بالألفاظ القليلة.([56])  

فمنها قوله حين وصف خمر أهل الجنة ﴿ لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ ﴾([57]) وهاتان الكلمتان جمعتا جميع عيوب خمر أهل الدنيا. وقوله عز وجل حين ذكر فاكهة أهل الجنة: ﴿لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ﴾ ([58])جمع بهاتين الكلمتين جميع تلك المعاني .

كان عبد القاهر ذواقة للأسلوب القرآني، حتى أوشك أن يسبق عصره في بعض لمحاته الموفقة التي نفذ بها إلى إدراك الجمال الفني في كتاب الله. واستمع إلیه وهو يفسر هذه الصورة البارعة فسيعجبك منه بلا ريب حسه المرهف الدقيق وفهمه طريقة القرآن المفضلة في التعبير والتصوير ([59])كما في قوله تعالى: ﴿واشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا﴾([60])

 أوجه الإعجاز القرآني

أن ما في القرآن أوجه وأفصح وأكثر معاني. والفرق بينهما في البلاغة من أربعة أوجه.

الأول ،           وهو أنه أكثر في الفائدة.

الثاني ،            وأوجز في العبارة.

الثالث ، وأبعد من الكلفة بتكرير الجملة.  

الرابع  ،           أحسن تإلیفاً بالحروف المتلائمة.

 أما الكثرة في الفائدة ففيه كل ما في (القتل أنفى للقتل) ، وزيادة معاني حسنة، منها إبانة العدل لذكره القصاص؛ لأنه ليس في قولهم القتل أنفى للقتل بيان أنه قصاص، ومنا إبانة الغرض المرغوب فيه وهو الحياة، ومنها الاستدعاء بالرغبة والرهبة وحكم الله به.([61])

وأما الإيحاز في العبارة، فإن الذي هو نظير القتل أنفى للقتل، وقوله تعالى:﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾([62]).

قال ابن سنان الخفاجي عن وجوه اعجاز القرآن:

وإذا عدنا إلى التحقيق وجدنا وجه إعجاز القرآن صرف العرب عن معارضته بأن سلبوا العلوم التي بها كانوا يتمكنون من المعارضة في وقت مرامهم ذلك. وإذا كان الأمر على هذا فنحن بمعزل عن ادعاء ما ذهب إلیه من أن بين تإلیف حروف القرآن وبين غيره من كلام العرب كما بين المتنافر والمتلائم ثم لو ذهبنا إلى أن وجه إعجاز القرآن الفصاحة وادعينا أنه أفصح من جميع كلام العرب بدرجة ما بين المعجز والممكن لم يفتقر في ذلك ادعاء ما قاله من مخالفة تإلیف حروفه لتإلیف الحروف الواقعة في الفصيح من كلام العرب وذلك أنه لم يكن بنفس هذا التإلیف فقط فصيحا وإنما الفصاحة لأمور عدة تقع في الكلام من جملتها التلاؤم في الحروف وغيره.([63])

فيقال له فما عندك في تإلیف كل لفظة من ألفاظ القرآن بانفرادها أهو متلائم في الطبقة العليا أم في الطبقة الوسطى فإن قال في الطبقة العليا قيل له أو ليس هذه اللفظة قد تكلمت بها العرب قبل القرآن وبعده لأن التلائم من ألفاظ القرآن في الطبقة الوسطي ،فقد بان أن الذي يجب اعتماده أن التإلیف على ضربين متلائم ومتنافر وتإلیف القرآن وفصيح كلام العرب من المتلائم ولا يقدح هذا في وجه من وجوه إعجاز القرآن.

وأبو سليمان حمدين محمد الخطابي يثبت رأيه في إعجاز القرآن، فيبين أن الكلام الفاصل ثلاثة أقسام: بديع رصين جزل، فصيح قريب، سهل جائز مطلق، ومن هنا: إعجاز القرآن؛ لأنه أخذ من كل قسم، وجمع ذلك في قوة واحدة، فكان إعجازه وبلاغته".([64])

فهناك عدة أوجه آخر عن إعجاز القرآن وقد حاولنا تقصيها في كل سورة وفي كل آية منها:

أحد تلك الأوجه التي يعجز الإتيان بمثلها وهذا الصدق الذي نزل به القرآن ’’ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ‘‘۔ ([65])

وهو الذي جعل لكلماته هذه الحياة القوية المتمكنة، المتجددة، الخالدة التي لا تنال منها الأيام ولا تنتقص ذرة من كيانها الدهور

أما الثاني إعجازه في إتقان معانيه فلم يترك القرآن الكريم أمرا إلا بينه أو أشار إلیه. في الخلق والخالق وفي ما وراء الطبيعة في الماضي والحاضر والمستقبل وفي العبادات والمعاملات في الحقوق والواجبات ((وقد أتى في جميع ذلك بالحقائق الراهنة، التي لا يتطرق إلیها الفساد والنقد في أية جهة من جهاتها... وهذا شيء يمتنع وقوعه عادة من البشر)) فقد قال تعالى:   ﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَل﴾ ([66]).

أما الثالث: في أخباره عن الغيب عما لم يقع بعد... ووقع كما ذكره فعلا كقوله تعالى:﴿غُلِبَتْ الرُّومُ *فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ﴾([67]) وقوله تعالى:﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ﴾([68]).

أن جهة إعجاز القرآن بتلك الروحانية التي يحتويها القرآن وتسيطر على اللب عند قراءته وهي أمر من الله لا يعلم كنهها وروح من الله.

في إعجاز القرآن وجه آخر ذهب عنه الناس فلا يعرفه إلا الشاذ من آحادهم وذلك صنيعه بالقلوب وتأثيره في النفوس. فانك لا تسمع كلاما غير القرآن منظوما ولا منثورا. إذا قرع السمع خلص له القلب من اللذة والحلاوة في حال ومن الروعة والمهابة في أخرى ما يخلص منه إلیه([69]).ولم تقف أوجه الإعجاز القرآني عند هذه فلقد قال ابن سراقة في كتابه الإعجاز بانه قد ’’اختلف أهل العلم في وجه اعجاز القرآن فذكروا في ذلك وجوها كثيرة كلها حكمة وصواب، وما بلغوا في وجوه اعجازه جزءا واحدا من عشر معاشره‘‘([70]).

وصحيح أن تلك الصورة والأوجه الاعجازية متوافرة في سور القرآن الكريم وتتحداهم بقوله تعالى:﴿قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ﴾([71]).

وقوله تعالى:﴿فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ﴾([72]) وبهاتين الآيتين تحدى بكل القرآن لكي يكون حاويا بأجمعه كل تلك الأوجه الاعجازية.

الإعجاز البلاغي

كل تلك الوجوه من وجوه الإعجاز جاءت بكلام بليغ وألفاظ سامية ارتفعت فوق كلامهم، وأخرست أمام بيانه ألسنتهم، ومن هذا الباب جاءت شمولية هذا الوجه للأوجه الأخرى.. هذا أولا.

ولكون الله سبحانه وتعالى تحداهم بالإتيان بعدد من السور وذلك بقوله تعالى:﴿قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ﴾([73])، بل تحداهم في الإتيان بسورة واحدة فقال تعالى:﴿فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ﴾([74]). 

وقوله تعالى:﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنْ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾([75])، وتلك الأوجه الاعجازية لا تتوافركلها في كل سورة من سور القرآن.بل تختلف  كل سورة بوجه إعجازي عن السورة الأخرى ولكن الوجه البلاغي يتوافر في كل سورة من سور القرآن ۔

"وأبو بكر محمد الطيب البقلاني، ألف كتابه: "إعجاز القرآن" تكلم فيه عن سبل البلاغة، وبلاغة الرسول، وإعجاز القرآن، ولا يوافق من قال بالصرفة؛ لأن التحدي لا يتفق معها، ثم يرد إعجاز القرآن إلى ثلاثة: ما تضمنته الأخبار عن الغيب، وما فيه من قصص الأنبياء مع أمية الرسول وبلاغته([76])

موارد الإعجاز البلاغي

لما كان الإعجاز البلاغي للقرآن الكريم هو أهم الأوجه الاعجازية له كان لا بدّ لنا أن نشير إلى موضع ذلك الإعجاز وأين يكمن... فلقد ’’ورد عليهم أسلوب القرآن يحمل ألفاظهم باعيانها متساوقة فيما ألفوه من طرف الخطاب وألوان المنطق ليس في ذلك إعنات ولا معاياة، غير أنهم ورد عليهم من طرق نظمه ووجوه تركيبه، ونسق حروفه في كلماتها. وكلماته في جملها، ونسق هذا الجمل في جملته ما أذهلهم في أنفسهم من هيبة رائعة وروعة مخوفة‘‘([77]).

اجتمعوا على الإتيان بمثلها وعجزوا واعترفوا بذلك ،فقال بلغاؤهم: ’’ما هو من كلام الإنس، ولا من كلام الجن، أن له لحلاوة وان عليه لطلاوة. وان أعلاه لمثمر وان أسفله لمغدق وأنه يعلو ولا يعلى عليه‘‘([78]) ولجأوا بعد ذلك إلى مقارعته بالسيوف والسنان بدلا من البلاغة والبيان. لأنه لم يكن متعلقا بوجه من وجوه البلاغة ولا قسم من أقسام الفصاحة فمن قال باختصار فبالقرآن منه كل أوجهه. ومن أراد الإطناب وجد فيه ضالته.

فمن الاستعارة أوجهها ومن البديع أبدعه ومن السجع أروعه. جاء للكناية نهجا وللمجاز تصويرا ومن التشبيهات ضروبا. بل وأخذت قواعد كل تلك الأبواب منه ورسمت لها كل صفاتها عليه فجاء بشأو من النظم قال الباقلاني:’’ليس له مثال يحتذى به ولا أمام يقتدى به ولا يصح وقوع مثله اتفاقا‘‘([79]).

ولا جدال في الإعجاز القرآني من هذا الوجه فقد قامت عليه أدلة قاطعة شهد لها التاريخ منذ نزوله حتى اليوم وإنما وقع الجدال في هذا الوجه من الإعجاز في أسراره ووجوه تلك الأسرار حيث أن الأمر لا يقع موقع المشاهدة والحس وإنما هو حقيقته مضمرة في كلمات القرآن وآياته والكشف عنها ليس مما يتيسر لكل طالب إذ لا بدّ لمن يريد شيئا من هذا أن يكون على علم بمقاييس البلاغة وموازين الفصاحة وان يكون مع هذا ذا احساس فني يمكنه على تذوق الكلام والتفريق بين أجناسه لأن القرآن جاء بالكمال اللغوي والكمال البلاغي بكل صنوفهما وبجميع معاييرهما فقد علا لفظه فوق كل لفظ وأحكم معناه على كل معنى فلو أفردنا مفرداته واحدة واحدة وألفاظه لفظة لفظة وجدناه معجزا باستعمالها ولو جمعناها إلى بعض وجدناها هي الاخرى أية في التصوير وضرب من ضروب السحر البياني.

فقال الرافعي :’’ لقد جمع في أسلوبه أرقى ما تحس به الفطرة اللغوية من أوضاع البيان ومذاهب النفس إلیه وبهذا ـ أحسوا بعجزهم عما امتنع مما قبله وكان كل أمرئ منهم كأنما يحمل في قرارة نفسه برهان الإعجاز وان حمل كل افكٍ وزور على طرف لسانه‘‘([80]).

وقال الباقلاني ’’جمع في كتابه الكثير من المباحث البلاغية القرآنية ولكنه ـ على سعته وشموله ـ لا يصور إلا الفكرة السائدة عن الإعجاز في عصره ممزوجة بالمسائل الكلامية الكثيرة التي تفقد الكتاب سماته في استقصاء الجمال الفني في القرآن‘‘([81]). 

ولكن الحق أن كل هؤلاء ومن سبقهم قاموا بمحاولات مضنية لإبراز البلاغة القرآنية في صورة موحية ذات ظلال. ولكنهم وقفوا غالبا عند النص الواحد فاقتطعوه اقتطاعا من الوحدة القرآنية الكبرى ودرسوه على حده دراسة تحليلية جزئية ذهبت بمعالم جمالها ([82]).

وبالرغم من أنّ الأسباب التي دعتهم إلى البحث في البلاغة من حيث ألفاظها أو معانيها هو الدفاع عن القرآن وبيان إعجازه وإثبات ذلك الإعجاز. وقد سموا بذلك عناوين مؤلفاتهم التي ألفوها ولكننا نرى استشهادهم بالشعر العربي ونقده ومميزاته أكثر بكثير من الحديث حول آيات القرآن الكريم أو توضيح أوجهها البلاغية لان كل لفظة تختلف عن الأخرى بخاصية تتميز بها في معناها في حالة ترادفهما.

فقد عرف بتأكيده على اللفظ دون المعنى من عنصري البلاغة تأكيد بالغ فيه كثيرا فاعتبره الباحثون زعيما لمدرسة اللفظ البلاغية وقطبا من أقطابها البارزين وجل أولئك الباحثين قد اعتمدوا على قول الجاحظ:’’بان المعاني مطروحة في الطريق يعرفها  العجمي والعربي والبدوي والقروي والمدني، وإنما الشأن في إقامة الوزن وتخير اللفظ وسهولة المخرج وكثرة النماء، وفي صحة الطبع وجودة السبك، فإنما الشعر صناعة وضرب من النسيج وجنس من التصوير‘‘([83]).

البلاغة عند الجاحظ في حسن اللفظ دون المعنى. كما قال فی كتابه البيان والتبيين:’’ أن حكم المعاني خلاف حكم الألفاظ، لأن المعاني مبسوطة إلى غير غاية، وممتدة إلى غير نهاية، وأسماء المعاني مقصورة معدودة، ومحصلة محدودة‘‘([84]).

وقال أيضا في كتابه الحيوان :’’فان لكل قوم ألفاظ حظيت عندهم. وكذلك كل بليغ في الأرض وصاحب كلام منثور وكل شاعر في الأرض وصاحب كلام موزون لا بدّ أن يكون قد لهج وألف ألفاظا بأعيانها ليديرها في كلامه وان كان واسع العلم عزيز المعاني‘‘([85]).

وما أميل إلیه أن الجاحظ لم يهمل المعاني في صياغة الكلام عندما يوصف بالبلاغة أو البيان فاللفظة المفردة لا يمكن أن تكون بليغة إن انفصلت عن سابقتها وما تلحق بها وإنما تكون اللفظة فصيحة تمييزا لها من الألفاظ السوقية فالجاحظ اعطى أهمية للألفاظ أكثر من المعاني. لأن الناس يختلفون بكيفية وصول مرادهم من الكلام معناه إلى أفهام الناس. فمنهم من اختار الإسهاب ومنهم من تخيّر الإيجاز.وتأتي بلاغة المتكلم هنا باختياره الألفاظ المناسبة الجميلة واخصرها عددا وأوفرها معنى۔

كما وضح أبو هلال العسكري: ’’ ليس الشأن في ايراد المعاني لأن المعاني يعرفها العجمي والعربي والقروي والبدوي، وانما هو في جودة اللفظ وصفائه وحسنه وبهائه، ونزاهته ونقائه وكثرة حلاوته ومائه مع صحة السبك والتركيب والخلو من اود النظم والتإلیف وليس بطلب المعنى إلا أن يكون صوابا ولا يقنع من اللفظ بذلك حتى يكون على ما وصفناه من نعوته التي تقدمت‘‘([86]).

فقال العكسري:’’الكلام ألفاظ تشتمل على معان ٍ يعبر عنها،فيحتاج صاحب البلاغة إلى إصابة المعنى كحاجته إلى تحسين اللفظ، لأن المدار بعد على اصابته المعنى ولأن المعاني تحلّ من الكلام محل الابدان والألفاظ تجري معها مجرى الكسوة ومرتبطة أحدهما على الأخرى‘‘([87]).

أن مراد الجاحظ والعسكري في تحسين اللفظ كي يدل على المعنى الأصح اثناء الاستعمال فالمعلوم من ألفاظ اللغة العربية  في أثناء استعمالها انها تدل على معنى يختلف عن الآخر فيما إذا انفردت عن الاستعمال، فان استعملت بمكان اللفظة المراد بناء المعنى عليها لفظة اخرى مرادفة لمعناها فقد فسد المعنى المراد، فان كانا يريدان الألفاظ المفردةكماقال ابن سنان الخفاجي:’’ وان كانا يردان الألفاظ المؤلفة ،لأن مرادهما هذا، فان المحدثين إذا أخذوا ألفاظا قد ألفها ناظم قبلهم لم يؤثر فيها أخذهم لها حتى يقال: إنها في شعر الاول أحسن منها في شعر الآخر‘‘([88]).

وبعد هذه الجولة في اللفظ لا يمكن عدّ بلاغة القول من ألفاظه مفردة قائمة وحدها وقال أيضاً:’’فالفصاحة مقصورة على وصف الألفاظ والبلاغة لا تكون إلا وصفا للألفاظ مع المعاني فلا يقال في كلمة واحدة لا تدل على معنى يفضل عن مثلها بليغة. وان قيل فيها فصيحة وكل كلام بليغ فصيح وليس كل فصيح بليغ‘‘([89]).

ولا يمكن أن يكون الإعجاز القرآني بألفاظه المفردة ولو انها ارتفعت وسمت ولكنها متوافرة قبل نزول القرآن ومستعملة في كلام العرب وأشعارهم واستعمالها في القرآن اعجزهم عن الإتيان بذلك الاستعمال لتلك الألفاظ.

ذهب فريق من البلاغيين إلى أن بلاغة الكلم تتوافر في المعنى من دون اللفظ وكان نظر هذا الفريق من أهل البيان إلى المعاني بانها هي الأصل والصياغة والألفاظ، انما هي تبعٌ لها.

وقال ابن جني :’’فإذا رأيت العرب قد أصلحوا ألفاظها وحسنوها وحموا حواشيها وهذبوها وصقلوا غروبها وأرهفوها، فلا ترين أن العناية إذ ذاك انما هي بالألفاظ بل هي عندنا خدمة منهم للمعاني‘‘([90]).

ولكن لوعدنا إلى آراء العلماء المختلف لوجدناهم لم يفصلا بين اللفظ والمعنى ولم يذهبا إلى أن بلاغة الكلام تكمن في معناه دون لفظه. ولكن ابن جني يرى الاهتمام بالمعاني من خلال الألفاظ المتساوقة في الكلام لأن المعاني عنده أشرف من الألفاظ وهذه الألفاظ ما هي إلا خدم للمعاني لتوضيحها وكشف اسرارها.

أما عبد القاهر الجرجاني فأظن أن من قال بأنه يذهب إلى تفضيل المعنى استند إلى قوله:’’لا يكون لأحدى العبارتين مزية على الأخرى حتى يكون في المعنى تأثير لا يكون لصاحبتها ومن انكاره مذهب مدرسة اللفظ ونقده لآراء روادها واعتبار تلك الآراء خطأ والقول بها يؤدي بصاحبها إلى إنكار إعجاز القرآن من حيث لا يشعر‘‘([91]).

فلو تصفحنا بعض آيات القرآن الكريم في هذا الباب لوجدنا انه اكتفى بألفاظ قليلة منمقة مختارة تدل على معانٍ كثيرة واسعة مختارة هي الاخرى ففي قوله تعالى:﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُوْلِي الأَلْبَابِ يدخل فيها العدل والمساواة وألفاظه خير من قولهم: (القتل انفي للقتل)) وأعم منه وأشمل لأنه يشمل القصاص في القتل والجروح والضرب ويختص بالقصاص لأهل العقل والبصيرة ليخرج المجنون والطفل والحيوان وقال الجاحظ([92]) عن قوله تعالى:        ﴿ لاَ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلاَ يُنزِفُونَ ([93])بان هاتين الكلمتين قد جمعتا جميع عيوب اهل الدنيا.

وفي قوله تعالى:) لاَ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَة([94]) جمع جميع تلك المعاني.

وكذلك اوجه الحذف فهي كثير في آيات القرآن الكريم فقد استغنى القرآن الكريم عن الكلمة والكلمتين ولم يختل المعنى ولم يفسده بل زاد اللفظ نغما ووقعا اكثر.

قال ابن رشيق القيرواني:’’ بان اللفظ جسم والمعنى روح ذلك الجسم ولا يمكن فصل الروح عن الجسم‘‘([95])۔ ويرى ابن قتيبة أن هناك دواعٍي تؤثر في الشعر وتلعب دورا هاما في بلاغة النص الأدبي من حيث اختيار ألفاظه أو معانيه كدواعي الغصب والطمع والرثاء والمديح والشرب والطرب والأوقات([96]). وعلى هذا الرأي يترفع النص القرآني عن تلك التأثيرات أو الدواعي، فألفاظه سمت وتواشجت مع معانيها في كل قصد من مقاصده وفي كل آية من آياته فهو ينتقل من موضوع إلى موضوع ومن غاية إلى غاية بآياته وإرشاداته فمن أحكامه إلى قصصه ومن الفلسفة إلى الأدب بالترغيب تارة والترهيب تارة أخرى يمدح هؤلاء ويمنيهم ويذم اولئك ويتوعدهم وقد جمع فيه من كل مثل ) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ(([97]) وقد عجز أولئك عن هذا الكلام وأصبحت حقيقة ودراية ثابتة لا مجرد رواية قابلة للنقص أو الإبرام ولذلك نعتوه بالسحر) أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ(([98]).

الفصل الرابع : أثر القران الكريم في الأدب : ’’الشعر و النثر‘‘

كان العرب يتذوّقون بكلامهم في صورة الشعرالتي تشتمل علي أوصاف مختلفة منها المدح ، الرثاء ،الهجاء ،الغزل ،التشبيب ،الحكمة و الكرامة وأما النثر التي يشمل الخطابة والكتابة منها أدب الرسائل والمسرح والأقاصيص ،لأن القرآن الكريم نزل بألسنتهم اللسان العربي المبين ورأؤ فيه فصحاء العرب وبلغاؤهم جوهر فطرتهم في اللغة والبيان، وأدركوا منذ أن استمعوا إلى آياته البينات، أنه فاق المستوى الذي تعارفوه في بيانهم وأشعارهم، فكانوا أول من شهد بإعجازه.

روي أن الوليد بن المغيرة– وكان من فصحاء العرب وذوي الرئاسة فيهم- ’’جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه القرآن، فكأنه رق له فبلغ ذلك أبا جهل، فأتاه فقال: يا عم، إن قومك يرون أن يجمعوا لك مالا. قال: لم؟ قال: ليعطوكه فإنك أتيت محمدا لتعرض لما قبله قال: قد علمت قريش أني من أكثرها مالا. قال: فقل فيه قولا يبلغ قومك أنك منكر له أو أنك كاره له قال: وماذا أقول «فوالله ما فيكم رجل أعلم بالأشعار مني، ولا أعلم برجز ولا بقصيدة مني ولا بأشعار الجن والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا ووالله إن لقوله الذي يقول حلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه مغدق أسفله، وإنه ليعلو وما يعلى وإنه ليحطم ما تحته»

قال: لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه. قال: فدعني حتى أفكر، فلما فكر قال: " هذا سحر يؤثر يأثره من غيره ([99])فنزلت ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا﴾([100])

كان القرآن يروع أولئك الفصحاء بسحر بيانه، ويشد إلیه أسماعهم، ويهز مشاعرهم هزا قويا، وينفذ إلى نفوسهم فيؤثر فيها، ثم تختلف استجاباتهم.

حينما أقبل الناس على القرآن يحفظونه ويرتلونه، ويدرسونه ويتعلمون علومه، فأصبح القرآن أساسا رئيسيا في التربية والتعليم، وعنصرا هاما في الثقافة والتكوين لعامة أبناء المسلمين، ثم تكون مصدرا لاستنباط العلوم، ومرجعا لاستخلاص القواعد والشواهد، ومثالا يستضاء بنوره في البيان وطرق التعبير، كل يجد فيه بغيته. قال الراغب الأصفهاني في مقدمة كتابه " المفردات في غريب القرآن" : " فألفاظ القرآن هي لب كلام العرب، وزبدته وواسطته وكرائمه، وعليها اعتماد الفقهاء الحكماء في أحكامهم وحكمهم، وإلیها مفزع حذاق الشعراء والبلغاء في نظمهم ونثرهم" ([101])

شاعت في أسإلیب الأدباء العذوبة والسلاسة في جزالة، وأخذت بأطرافه القوة والجمال والوضوح وروعة التأثير وقوة الحجة وتأجج العاطفة والتهاب الشعور ودقة الإحساس الأدبي، فالقرآن رقق من نفوسهم القاسية، فسلست طباعهم وألسنتهم وملكاتهم ولم تقبل إلا السمح المهذب من الأسإلیب. ولعل شعر حسان بن ثابت وكعب بن زهير خير شاهد على رقة طباع الشعراء نتيجة التأثر بأسإلیب القرآن الكريم.

فهناك أمثلة كثيرة التي توضح تاثير القران في جميع ميادين الشعر والنثر۔

توارد الأفكار القرانية في اللغة العربية الجاهلية

أما الشعر فتاثير القران الكريم فيه من ناحية مخلتفة مثلا من حيث اللفظ المختلف ومجاز المعني ،مضمونا وأسلوبا واخري عديدة بغير ذلك۔

قال امرؤ القيس بن حجر في موافقة اللفظ مجزوء الكامل بمفهوم التلميح

وَتَبَرّجَتْ لتَرُوعَـنـا،          فَوَجدتُ نَفسي لم تُرَعْ ([102])

وقال تعالى: " غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ " ([103])والتبرج: هو أن تبدي المرأة زينتها،

وقال امرؤ القيس بن حجر باشارة إلی التمثيل: 

وماءٍ آسِنٍ برَكَتْ علَيهِ،      كأنّ مُناخَها مُلقى لجامِ ([104])

الآسن: المتغير، قال تعالى: " فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ "([105]) أي غير متغير،

وقال النابغة للنعمان بن المنذر:

إلاّ سلَيْمَانَ، إذ قالَ المَليكُ لَـهُ         قُم في البرِيّةِ، فاحدُدْها عن الفَنَدِ([106])

الفند الكذب، قال الله تعالى" لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ "([107]) أي تكذبون.

وقال الأعشى:

سُبُطاً تَبَارَى في الأعنّةِ بَينَها حتى تَفيءَ عَشيّةً أنفالُهـا([108])

الأنفال: الغنائم، وهو قوله تعالى: " يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ " ([109])

وقال لبيد ابن ربيعة العامري:

يا عينُ هَلاّ بكَيتِ أربـدَ إذْ قُمنا وقامَ الخُصومُ في كَبَدِ ([110])

يعني: في شدة، قال الله تعالى: " لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَد "([111])

وقال أمية بن أبي الصلت:

كيفَ الجحودُ، وإنّما خُلِق الفتى        مِنْ طِينِ صَلصالٍ لَه فَخّـارِ([112])

الصلصال: ما تفرق من الحمأة فتكون له صلصة إذا وطيء وحرك، وهو قوله عز وجل: " خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّار "([113]).

وقال أبو ذؤيب الهذلي:

وعَلَيهِما مَسرودَتانِ قَضَاهُما   داودُ أو صَنْعُ السّوابغِ تُبّعُ ([114])

قضاهما: أي أحكمهما، قال الله تعالى: " إِذَا قَضَى أَمْرًا "([115])، أي أحكمه،

أما الشاعر الجاهلي النابغة الذبياني، وهو من قبيلة ذبيان من نجد والعراق،فهو القائل:

الخالق البارئ المصوّر فى ال  أرحام ماء حتّى يصير دما ([116])

وهو ما يمكن مقارنته بالآية من سورة الحشر:﴿ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾([117])

وجاء أيضاً في شعر أمية بن أبي الصلت بخصوص سفينة نوح عليه السلام:

المسبحُ الخَشْبُ فوقَ الماءِ سَخَّرها             خلالَ جريَتِها كأنّها عومُ

تجري سفينةُ نوحٍ في جوانِبِهِ                  بكلِّ موجٍ معَ الأرواحِ تَـقتحِمُ

نوديَ قُمْ وأركَبْنَ بأهلِكَ أَنَّ                                  اللهَ مُوفٍ للناسِ ما زَعَموا

مشحونةٌ ودُخانٌ الموجَ يَرفَعُها                                 مِلئاً وقد صُرِعَتْ من حولِها الأمَمُ

حَتّى تَسَوَّتْ على الجوديِّ راسيةٌ            بكُلِّ ما أستودَعَتْ كأنها أطَمُ([118])

فهذه الأبيات مقارنتها بالآيات،

قال الله تعالی :﴿وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾([119])

وقال أمية بن أبي الصلت:

منَ الحقدِ نيرانُ العداوةِ بينَنا                                 لَئِن قالَ رَبّي للملائِكةِ إسجدوا

لآدمَ لمّا أكمَلَ اللهُ خَلقَهُ                          فَخَرّوا لَهُ طَوْعاً سجوداً ورُكَّعا

فقالَ عدوَّ اللهِ للكُبرِ والشَقا                   أَطينٌ على نارِ السمومِ يَسودُ !؟([120])

وهومقارنةسورة الإسراء:  قال الله تعالى:﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً﴾([121])

أما الشاعر زيد بن عمرو بن نفيل، وهو من شعراء الحجاز، ومات قبل ظهور الإسلام بقليل، فقد قال :

وأسلمت وجهي لمن أسلمت له              الأرض تحمل صخرا ثقالا

دَحاها فلما إستوَتْ شَدَّها                       بأيدٍ وأرسى عليها الجِبالا([122])

وكلمة "دَحاها" التي إعتبرها بعض المفكرين المسلمين الحديثين دليلاً على قول القرآن الكريم بكروية الأرض، واردة في سورة النازعات الآية: قال تعالی﴿ وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا﴾ ([123])

أثر القران الكريم في الشعر

ليس القرآن شعراً ، ولم يكن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم شاعراً ، بل وما ينبغي له ، قال تعالى:( فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ . وَمَا لا تُبْصِرُونَ . إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ . وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ . وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ . تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) ([124])

 وقال تعالى:( وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ )([125])
وقال تعالی: وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ([126])

قال ابن كثير في تفسير هذه الاية : ﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ

قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: يعني: الكفار يتبعهم ضلال الإنس والجن. وكذا قال مجاهد، رحمه الله، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وغيرهما.وقال عكرمة: كان الشاعران يتهاجيان، فينتصر لهذا فئام من الناس، ولهذا فئام من الناس۔([127]) ولذلك أنزل الله تعالی هذه الاية عن الشعراء الذين هم في الضلال الغي۔  

جاء في الحديث النبوي الشريف عن الشعراء :

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ نَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَرْجِ إِذْ عَرَضَ شَاعِرٌ يُنْشِدُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خُذُوا الشَّيْطَانَ، أَوْ أَمْسِكُوا الشَّيْطَانَ لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ رَجُلٍ قَيْحًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا۔

وقد روى ابن أبي حاتم أيضا، عن أبي سعيد الأشج، عن أبي أسامة، عن الوليد بن كثير، عن يزيد بن عبد الله، عن أبي الحسن مولى بني نوفل؛ أن حسان بن ثابت، وعبد الله بن رواحة أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزلت: {والشعراء يتبعهم الغاوون} يبكيان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يقرؤها عليهما: {والشعراء يتبعهم الغاوون} حتى بلغ: {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات} ، قال: "أنتم" ([128]) .

ان الشعراء المشركين يتبعهم غواة الناس ومرده الانحراف في القول والعقيدة ، فهم هائمون على وجوههم لا يلون على شيء' مقصود فتجاوزوا طريق الحق والاستقامة والرشاد وقصد السبيل. والشعراء من هذه الطبقة لا تربطهم بالحق رابطة وبالاستقامة طريق.

وقيل ان رسول الله فرح حين سمع شعر لبيد قي قوله  :(ان كل شيء ما خلا الله باطل). فالشعر في ميزان الدعوة هو متضمناته وليس يكره لذاته.فأيما شعر نشأ من هذا التصور فهو الشعر الذي يرضاه الإسلام. وننظر أثر القرآن الکریم

وقال حسان بن ثابت الأنصاري:

إنشُزُوا عَنّا، فأنتم مَعشَرٌ      آلُ رِجسٍ وفجورٍ وأشَر ([129])

انشزوا: أي انهضوا، قال الله تعالى: " وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا ([130])".

وقال أيضا لبيان صورة وحدة المسلمين :

مستعصمين بحبل غير منجدم          مستحكم من حبال الله ممدود ([131])

قد وردت هذه الصورة الكاملة في القران الكريم كما قال الله تعالی :

﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾([132])

وقال أبو بكر، رضي الله عنه:

عَزّرُوا الأمْلاَكَ في دَهرِهُمُ، وأطاعوا كلَّ كَـذّابٍ أثِـمْ([133])

عزروا: أي عظموا قال الله تعالى: " وَعَزَّرُوهُ "([134]) أي عظموه.

 وقال عمر، رضي الله عنه:

يَكلأُ الخلقَ جَمـيعـاً، إنّـهُ      كإلیءُ الخلقِ، ورَزّاقُ الأُمَم ([135])

الكإلیء: الحافظ، قال الله تعالى: " قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ "([136])

 وقال عثمان ابن عفان، رضي الله عنه: الطويل  

وأعلَمُ أنّ اللَّهَ لَيسَ كصـنـعِـهِ         صَنيعٌ ولا يخفَى على اللَّهِ مُلْحِدُ ([137])

الملحد: المائل، قال الله عز وجل: " إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا"([138])، أي يميلون.

وقال حمزة بن عبد المطلب، رضي الله عنه:

وزُفّوا إلینا في الحَديدِ، كأنّهم          أُسُودُ عَرِينٍ ثَمّ عندَ المَبَارِكِ ([139])

الزف: المشي قدماً، قال الله تعالى: " فَأَقْبَلُوا إلیهِ يَزِفُّونَ "([140])

وقال العباس، رضي الله عنه:

أنتَ نورٌ من عَزيزٍ راحِمٍ،   تَقمَعُ الشِّركَ وعُبّادَ الوَثَنْ([141])

نورٌ: أي هدى، قال الله عز وجل: " اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ "([142])، أي هداها.

وقال الزبير بن العوام، رضي الله عنه:

يَخرُجُ الشَّطْءُ على وَجهِ الثّرَى،        ومِنَ الأشجار أفنانُ الثّـمَـر([143])

الشطء: النبت، قال الله تعالى: " كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَه "([144])

 وقال عثمان بن مظعون، رضي الله عنه:

أهل حوبٍ وعيوبٍ جـمةٍ            ومعراتٍ بكسب المكتسب([145])

المعرة: الإثم، قال الله تعالى: " فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ ".([146])

قال جرير:

قوم لهم خص إبراهيم دعوته           إذ يرفع البيت سورا فوق تأسيس([147])

أخذه عن الآية ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ﴾([148])

وقوله:

أعطاك ربي من جزيل عطائه         حتى رضيت فطال رغم الحاسد

والبيت مقتبس في المعنى من الآية﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾([149])

 وقوله :

من يهده الله يهتد لا مضل له         ومن أضل فما يهديه من هاد

وهو اقتباس لمعنى الآية ﴿مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ﴾([150])

وقوله :

يجزيك ربك حسن قرضك انه       حسن المعونة واسع المتقرض

أخذه عن الآية ﴿إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ﴾ ([151])

وقوله :

قوم لهم خص إبراهيم دعوته           إذ يرفع البيت سورا فوق تأسيس

أخذه عن الآية (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ([152])

 ولم يتوقف تأثير جرير بالقرآن الكريم عند باب المديح في شعره بل انه تسرب إلى الهجاء ، وهو ينهج عليه في المديح من تلخيص واقتباس للآيات التي توافق الفكرة التي يريد صياغتها شعرا ، ومن أمثلة ذلك قوله للفرزدق :

قوله :

تخف موازين الخناثي مجاشع         ويثقل ميزاني عليهم فيرجح

وهو إشارة إلى الآية : فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ([153]

 ومن إشارته إلى أحكام القرآن الكريم قوله في هجاء الأخطل يعيره بدفع الجزية

الضاربون على النصارى جزية         وهدى لمن تبع الكتاب ونورا

 قال الله تعالی : ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِاليوم الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُون﴾([154])

وقوله يشير إلى قطع يد السارق :

ولو يعلم السلطان ما تفعلونه           لبانت يمين منكم ويمين

قال الله تعالی :وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ([155])

قال الأخطل مادحا بنی أمية عامة ، وبشر بن مروان خاصة ، وهاجيا قيس عيلان :

أقفرت البلحخ من عيلان فالرحب   فالمحليبيات ، فالخابور ، فالشعب

فاصبحو لاتري الا مساكنهم          كأنهم من بقايا أمة ذهبو([156])

أخذ الأخطل هذا المعني من الآية القرآنية: ﴿تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ﴾([157]

نلاحظ بذلك التقارب في النسيج  الاجتماعي في ذاك العصر ، و تأثر الأخطل النصراني با الثقافة الاسلامية

وقال مفاخرا بقومه ما دحا بعضهم :

ألا جعل الله الأخلاء كلهم        فداء لغوث ، حيث أمسوا وأصبحوا([158])

اقتبس الاخطل هذه الألفاظ من الاية القرانية :﴿ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ﴾([159])

وقال الاخطل في هجو جرير :

وقضيت بينكما قضاء فيصلا           في الناس ، مثل تبيُّنِ الفرقان([160])

قد اشار بلفظ الفرقان في هذ الشعر  إلی القران الكريم

كان الفرزدق من فحول شعراء بنو أمية ويقال عنه’’ لولا الفرزدق لذهب ثلث العربية‘‘ ، هنا أتي الفرزدق مع خصومته جرير۔

يقول الفرزدق يهجو جريراْ

ضربت عليك العكنبوت بنسجها      وقضي عليك بها الكتاب المنذر

وأراد أن يبين ضعف خصم لأن العكنبوت وبيتها ونسجها مذكور في القران لكنهم مذكور علي سبيل الضعف كما قال الله تعالی في كلامه الحميد :

﴿ مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾([161])

فلما أراد الفرزدق أن يضع من مكانته جرير قال له :

 ضربت عليك العكنبوت بنسجها     وقضي عليك بها الكتاب المنذر

والفرزدق له مكانة كبيرة في شعر العرب في العصر الأموي وأيضاً معدود في فحول الشعرا العربية الذين مروا بها علي مر التاريخ

يقول الفرزدق في هجا الأزديين :

وما لله تسجد ازد بصري    ولكن يسجدون بكل نار ([162])

ذلك أن السجود لا يكون الا لله وفي هذا البيت يأبي فرزدق عن الساجدين لغير الله كعبدة النار فالسجود لا يكون الا لله وقال سبحانه و تعالی:﴿ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْض﴾([163])

وأورد الفرزدق المصطلحين ’’الزكاة والجزية‘‘ في هجائه الطرماح قائلا:

فلم يبق من يؤدي زكاته                إلینا ومعط حين حلت جزية ([164])

كما قال الله تعالی عن الزكاة :﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾([165])

وقال سبحانه و تعالی عن الجزية :

﴿حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ([166])

وقال فرزدق :

سبقتم إلی الاسلام حين هداكم       به الله اذ يهدي له كل مصبر ([167])

وكذلك اقتبس الفرزدق المسابقة إلی الاسلام في شعره من القران الكريم كما قال الله تعالی :  ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم﴾([168])

شعر النقائض شعر النقائض هو أحد فنون الأدب التي بدأت منذ العصر الجاهلي وتطورت وأصبحت فنا أدبيا قائما بذاته في العصر الأموي على أيد ثلاثة شعراء أمويين هم الفرزدق وجرير والأخطل ، ولكن نقائض فرزدق وجرير قد اشتهرت في هذا المجال الأدب العربي على مر العصور .

أما تعريف النقائض اصطلاحا فهو أن يهجو الشاعر شاعرا آخرا أو أن يفتخر بنفسه أو بقومه أمامه بقصيدة على بحر معين وقافية محددة وحرف روي، فيرد عليه الشاعر الآخر على نفس البحر والقافية وحرف الروي بقصيدة من نفس الموضوع۔

هنا نقدم نموذجا لأشهر شعراء النقائض في الشعر العربي ’’جرير والفرزدق ‘‘

قول الفرزدق في جرير :

يا صاحبي دنا الرواح فسيرا *** غلب الفرزدق في الهجاء جريرا([169])

وهذا من قول جرير يقول :

فغض الطرف انك من نمير *** فلا كعبا بلغت ولا كلابـــــــــا([170])  

فهذا الفرزدق يقول :

تحن بزوراء المدينة ناقتي *** حنين عجول تبتغي البو رائم([171])  

وهذا اعتذار للفرزدق عما قاله :

ولست بمأخوذ بلغو تقوله *** اذا لم تعمد عاقدات العزائم ([172])

وهذا ما قاله جرير في فسق الفرزدق الذي اشتهر به :

لقد ولت ام الفرزدق فاجرا *** وجـــــاءت بوزواز قصير القوائم

وما كان جار للفرزدق مسلم *** ليامـــــــن قردا ليله غير نائـــــم

اتيت حدود الله مذ انت يافع *** وشبت فما ينهاك شيب الهـــــازم

تتبع في المأخور كل مريبة *** ولست باهل المحصنات الكرائم ([173])

ابن قتيبه عن نقيض الشعراء

سمر الفرزدق والأخطل وجرير عند سليمان بن عبد الملك ليلة، فبينما هم حوله إذ خفق فقالوا: نعس أمير المؤمنين! وهموا بالقيام؛ فقال لهم سليمان: لا تقوموا حتى تقولوا في هذا شعرا. فقال الأخطل:

رماه الكرى في رأسه فكأنه ... صريع تروّى بين أصحابه خمرا

فقال له: ويحك! سكران جعلتني! ثم قال جرير بن الخطفي:

رماه الكرى في رأسه فكأنما ... يرى في سواد الليل قنبرة حمرا

فقال له: ويحك! أجعلتني أعمى! ثم قال الفرزدق بعد هذا:

رماه الكرى في رأسه فكأنما ... أميم جلاميد تركن به وقرا

قال له ويحك! جعلتني مشجوجا، ثم أذن لهم فانقلبوا فحباهم وأعطاهم.([174])

یثبت من هذا البحث المتواضع بأن الشعر تتاثر بالقران الكريم حينما نقرء أبيات الفرزدق ،الأخطل وجرير وأيضا نقائضهم التي أوردناها لنقف على خشونة ألفاظهم وجزالة أسلوبهم ومتانة شعرهم۔

أثر القران الكريم في النثر

النثر لغة:

يقول ابن منظور الافريقي : ’’النثر نَثرُكَ الشيءَ بيدك ترمي به متفرقا مثل نثر الجوز واللوز والسکر وکذلك نثر الحبّ إذا بُذر([175]).

يقول صاحب قاموس المحيط:

 نَثَرَ الشيءَ يَنْثُرُهُ ويَنْثِرُه نَثْراً ونِثاراً: رَماهُ مُتَفَرِّقاً.كَنَثَّرَهُ فانْتَثَرَ وتَنَثَّرَ وتَنَاثَرَ.والنُّثَارَةُ، بالضم، والنَّثَرُ، بالتحريك: ما تَناثَرَ منه ([176])

فالنثر هو الكلام الكثير المتفرق عبارات مختلفة وهو خلاف للكلام المنظوم

النثر اصطلاحاً:

النثر الفني الذي يحتفل به قائله، ويجود فيه، ويهذب من حواشيه، ويعنى بصياغته صياغة فنية مؤثرة، يعبر به عن أجمل ما في نفسه وخواطره من معانٍ وأفكار([177])  

يقسم النثر في الأدب العربي إلی قسمين :

الأول :النثر العادي هي لغة التخاطب

الثاني :النثر الفني هي لغة الأدب

أما الضرب الأول فهو النثر العادي أو اللغة التخاطب، أو الخطاب اليومي للتواصل بين الناس مثل أمثالا وحكماً۔

 وأما الضرب الثاني فهو النثر الذي تشتمل علي فن ومهارة وبلاغة، ويبحث فيه عن اللغات المختلفة ومن أحداث وأطوار، وأيضا يمتاز بکل صفات وخصائص، وهو يتفرع إلی فرعين هامين ، هما الخطابة والکتابة الفنية ـ ويسميها بعض الباحثين باسم النثر الفني۔

الخطابة

الخطبة لُغويًا - عند العرب - الكلام المنثور المسجع ونحوه،

وقال صاحب لسان العرب، أَنَّ الخُطْبَة اسمٌ لِلْكَلَامِ، الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِهِ الخَطِيب، فيُوضَعُ موضِعَ المَصْدر([178])

والخطابة اصطلاحًا فن من فنون الكلام غايته إقناع السامعين واستمالتهم والتأثير فيهم، بصواب قضية أو بخطأ أخرى، وبلوغ موضع الاهتمام من عقولهم وموضع التأثير في وجدانهم.([179])

من شواهد الخطابة في الكتاب العزيز في حقّ داود عليه السلام قال الله سبحانه و تعالی:

﴿ وَشَدَدْنا مُلْكَهُ وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ﴾([180])

و الخطابة هي الكلام الذي يلقى في جمهور الناس للإقناع والتأثير. وله أنواع متعددةمثلاً دينية وسياسية وقضائية واجتماعية. 

أما الخطابة الاجتماعية، فتعمد أكثر إلى مخاطبة العقل واستخدام المنطق، وقد تتعرض لذكر الأرقام والحقائق المحسوسة، في لغة أشبه بلغة العلم، ومع ذلك لا تترك فرصة يمكن فيها التأثير، وجذب القلوب حتى تنتهزها بأسلوب عاطفي، قد يعتمد على الخيال، ويتحلى ببعض المحسنات ([181])

 وقال أبو داود: رأس الخطابة الطّبع، وعمودها الدّربة، وجناحها رواية الكلام، وحليها الإعراب، وبهاؤها تخيّر الألفاظ؛ والمحبّة مقرونة بقلّة الاستكراه.([182]) وللخطابة أنواع متعددةمثلاً دينية وقضائية وسياسية واجتماعية. وقد تكون علمية فيهدأ أسلوبها وتسمى محاضرة ۔

الان نقدم بعض النماذج للخطابة حسب أنواعها  أول و بداية أقدم خطب دينية:

خطب دينية

خطبة الرسول ﷺ يوم فتح مكة

وقف على باب الكعبة ثم قال: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ألا كل مأثرة أو دم أو مال يدعى؛ فهو تحت قدمي هاتين، إلا سدانة البيت، وسقاية الحاج، ألا وقتل الخطأ مثل العمد بالسوط والعصا، فيهما الدية مغلظة، منها أربعون خلفة في بطونها أولادها، يا معشر قريش، إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية، وتعظمها بالآباء، الناس من آدم، وآدم خلق من تراب، ثم تلا: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾(الحجرات: 13) الآية يا معشر قريش "أو يأهل مكة" ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا خيرًا، أخ كريم، وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء".([183]

وكذلك نصح في خطبة حجة الوداع

أيها الناس: إن الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه، ولكنه قد رضي أن يطاع فيما سوى ذلك ما تحقرون من أعمالكم، أيها الناس: {إِنَّمَا النَّسِيء زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ} ، وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا في كتاب الله، يوم خلق السموات والأرض، منها أربعة حرم، ثلاثة متوإلیات، وواحد فرد: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب الذي بين جمادى وشعبان، ألا هل بلغت؟ ([184])

خطبة قضائية

خطبة أبي بكر الصديق رضي الله عنه

أما بعد أيها الناس: إني أوصيكم بتقوى الله العظيم في كل أمر، وعلى كل حال، ولزوم الحق فيما أحببتم وكرهتم، فإنه ليس فيما دون الصدق من الحديث خير، من يكذب يفجر، ومن يفجر يهلك، وإياكم والفخر، وما فخر من خلق من التراب، وإلى التراب يعود؟ هو اليوم حي، وغدًا ميت؛ فاعملوا وعدوا أنفسكم في الموتى، وما أشكل عليكم فردوا علمه إلى الله، وقدموا لأنفسكم خيرًا تجدوه محضرًا؛ فإنه قال عز وجل ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾ (آل عمران: 30) . فاتقوا الله عباد الله وراقبوه، واعتبروا بمن مضى قبلكم، واعلموا أنه لا بد من لقاء ربكم والجزاء بأعمالكم صغيرها وكبيرها، إلا ما غفر الله، إنه غفور رحيم، فأنفسكم أنفسكم، والمستعان الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ (الأحزاب: 56) اللهم صل على محمد عبدك ورسولك، أفضل ما صليت على أحد من خلقك، وزكنا بالصلاة عليه، وألحقنا به، واحشرنا في زمرته، وأوردنا حوضه. اللهم أعنا على طاعتك، وانصرنا على عدوك.([185])

خطبة سياسية

أما الخطابة السياسية، فقد أتيح لها هذا الشعور الشديد بالحرية، والاعتزاز البالغ بالأوضاع الديمقراطية ۔([186])

 خطبته حين بايعه أهل الشورى

روى الطبري قال: "لما بايع أهل الشورى عثمان خرج وهو أشدهم كآبة، فأتى منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخطب الناس، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، وقال:

"إنكم في دار قُلْعَة، وفي بقية أعمار، فبادروا آجالكم بخير ما تقدرون عليه، فلقد أتيتم، صُبِّحتم أو مُسِّيتم، ألا وإن الدنيا طويت على الغرور، فلا تغرنكم الحياة الدنيا، ولا يغرنكم بالله الغرور، اعتبروا بمن مضى ثم جدوا ولا تغفلوا، فإنه لا يغفل عنكم، أين أبناء الدنيا وإخوانها الذين آثروها وعمروها، ومتعوا بها طويلًا، ألم تلفظهم؟ أرموا بالدنيا حيث رمى الله بها، واطلبوا الآخرة فإن الله قد ضرب لها مثلًا، والذي هو خير، فقال عز وجل: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً، الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً﴾ وأقبل الناس يبايعونه".([187])

خطبة اجتماعية

وأما الخطابة الاجتماعية، فقد ازدهرت هي الأخرى، نتيجة لنمو المجتمع وازدياد مشكلاته وتعدد قضاياه ([188])

خطبة أبي موسى الأشعري

فلما سمع أبو موسى الأشعري خطبة الحسن وعمار، قام فصعد المنبر، وقال:

الحمد لله الذي أكرمنا بمحمد؛ فجمعنا بعد الفرقة، وجعلنا إخوانًا متحابين بعد العداوة، وحرم عليا دماءنا وأموالنا، قال الله سبحانه: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} ، وقال تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا} فاتقوا الله عباد الله. وضعوا أسلحتكم، وكفوا عن قتال إخوانكم.([189])

خطب اقتصادية

خطبة الحسن البصري

وكان يقول: "رحم الله رجلا خلا بكتاب الله، فعرض عليه نفسه، فإن وافقه حمد ربه، وسأله الزيادة من فضله، وإن خالفه أعتب وأناب، وراجع من قريب، رحم الله رجلا وعظ أخاه وأهله فقال: "يا أهلي: صلاتكم صلاتكم، زكاتكم زكاتكم، جيرانكم جيرانكم، إخوانكم إخوانكم، مساكينكم مساكينكم، لعل الله يرحمكم، فإن الله تبارك وتعالى أثنى على عبد من عباده، فقال:﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا﴾ يابن آدم: كيف تكون مسلما ولم يسلم منك جارك، وكيف تكون مؤمنا ولم يأمنك الناس؟ ".([190])

مقام الحسن عند النضر بن عمرو

وأحضر النضر بن عمرو -وكان وإلیا على البصرة- الحسن البصري يوما، فقال: يا أبا سعيد إن الله عز وجل خلق الدنيا وما فيها من رياشها، وبهجتها، وزينتها لعباده، وقال عز وجل: ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ ، وقال عز من قائل: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾([191])

أما بالنسبة إلی النثر الفني التي تشتمل علي الكتابة كما قال الجاحظ :

''ولو لم یکن من فضل الکتابة الا أنه لا یسجل نبی سجلاً ولا خلیفة مرضی ولایقرأکتاب علی منبر من منابر الدنیا الا اذا استفتح بذکر الله تعالی''([192])

بالجملة ففضل الکتابة أکثر من أن یحصی وأجل من أن یستقصی ،وإنما حرمت الکتابة علی النبي صلي الله عليه وسلم ردا علی الملحدین حیث نسبوه إلی الإقتباس من کتب المتقدمین کما قال الله تعا لی: ﴿ وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾([193])

هذا هو أهمية الكتابة التي ثبتت من القران الكريم ومن أهم هذه الكتابة هو الرسائل قد نشئت نشوا عظيما في العصر الاموي من الاعلام الذين كتبوا الرسائل في العصر الأموي منهم عبدالحميد الكاتب ، الجاحظ وابن المقفع وأيضا أعلام أخري الذين نمو في أدب الرسائل ۔

يقول دكتور شوقي ضيف :

النثر الفني  تشمل القصص المکتوب کما تشمل الرسائل الأدبية المحبرة، وقد تتسع فتشمل الکتابة التاريخية المنمقة ([194])

اتخذ النثر الفني أيضًا اتجاهات مختلفة، ومدارس أدبية متنوعة، تأسست على يد عبد الحميد الكاتب، وابن المقفع، ومدرسة الترسل على يد الجاحظ، ومدرسة ابن العميد، ومدرسة المقامات، ومدرسة الفاضل، وغير ذلك من الاتجاهات النقدية في النثر الأدبي.كذلك تأثر النثر الفني تدوين التاريخ ،بداية كتابة السيرة ،الجغرافية و خاصة علم الطب في العصر العباسي وأيضا تاثرت تدوين الحديث علي أسلوب  القران الكريم وبالاختصار قد تاثر القران الكريم علوم النقلية و علوم العقلية۔

ويتحدث شوقي ضيف عن نشأة النثر الفني في الأدب العربي بقوله ’’نحن لانغلو هذا الغلو الذي جعل بعض المعاصرين يذهب إلی أن العرب عرفوا الکتابة الفنية أو النثر الفني منذ العصر الجاهلي، فما تحت أيدينا من وثائق ونصوص حسية لا يؤيد ذلك إلا إذا اعتمدنا علی الفرض والظن، والحق أن ما تحت أيدينا من النصوص الوثيقة يجعلنا نقف في مرحلة وسطی بين الرأيين، فلا نتأخر بنشأة الکتابة الفنية عند العرب إلی العصر الجاهلي، بل نضعها في مکانها الصحيح الذي تؤيده المستندات والوثائق، وهو العصر الإسلامي([195])

قد تلون النثر العربي في العصر الاسلامي بجميع ألوان الحياة الجديدة مثلا خطابة، وکتابة، ورسائل وعهودا، وقصصا، ومناظرات، وتوقيعات۔

قد تواترت آراء المؤرخين والأدباء علی أن الرجل ذو مکانة ملحوظة في تاريخ النثر العربي، وأنه ذو أثر عميق في تطور الکتابة الفنيةكما كان عبدالحميد الكاتب في كتابته،أنه كتب رسائلا عديدة فيه أثر القران الكريم ،أنه ذكر ثلاثة اثار في رسائله وهي الاستشهاد ، الاقتباس و المفهوم وسنذكر نماذجها حسب موقعها۔

نماذج النثر

وله تحمید فی فتح

'' الحمد لله العلی مکانه، المنبر برهانه ،العزیز سلطانه ، الثابتة کلماته، الشافیة آیاته ،النافذ قضاؤه ،الصادق وعده الذی قدر علی خلقه بملکه وعزفی سمواته بعظمته ،ودبرالأمور بعلمه ،وقدرها بحکمه،علی ما یشاء من عزمه،مبتدعالها بإنشائه إیاها ،وقدرته علیها ،وإستصغاره عظیمها ،نافذا إرادته فیها ، لاتجری إلا علی تقدیره ولا تنتهی إلا إلی تأجیله ،ولا تقع إلا علی سبق من حتمه ،کل ذلک بلطفه وقدرته وتصریف وحیه ،ولامعدل لها عنه ،ولا سبیل لها غیره ،ولا یعلم أحد بخفایاها ومعادها إلاهو ،فإنه یقول فی کتابه الصادق ﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾([196])

رسالة عبدالحمید إلی الکتاب

وکذلک استعمل هذه الجملة '' التی یسمعون وأبصارهم التی بها یبصرون ،وألسنتهم التی بها ینطقون ،وأیدیهم التی یبطشون بها۔''([197])مشیراإلی نعم الله تعالی باستدلال القرآنیة کماجاء فی القرآن الکریم :﴿ أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ﴾ ([198])

رقم الرسا لة :507رسا لة عبدالحمید فی الشطرنج

ومن رسائله رسالة الشطرنج ،وهی ماکتبه عن الخلیفة الی الأمصار یأمر الولاة با لضرب علی أیدی المستهترین بهذه اللعبة وقد شاعت إذ ذاک حتی صرفت الناس عن أمورمعاشهم ومعادهم ۔([199]) ۔

استعمل عبدالحمیدالکاتب فی هذه الرسالة آیا ت قرآنیة

﴿ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إلیكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ﴾([200])

﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾([201])

بین عبدالحمید فی هذه الرسالة وعیدا بهذ الألفاظ '' لیهلک من هلک عن بینة ویحیی من حی عن بینة ''([202]) من الآیة الآتیة﴿ إ إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ ([203])



([1]) سورة القیامة : 18

([2]) أبو بكر الأنباري:محمد بن القاسم ، الزاهر في معاني كلمات الناس،ص 71،حققه: حاتم صالح الضامن، بيروت:مؤسسة الرسالة ،الطبعة الأولى، 1412 هـ -1992

([3]) الدکتور: فهد بن عبد الرحمن بن سليمان الرومي، دراسات في علوم القرآن الكريم،ص 18،الطبعة الثانية عشرة 1424هـ - 2003م

([4])     الزركشي : أبو عبد الله بدر الدين محمد، البرهان في علوم القرآن، 1/278 حققه: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية الطبعة:الأولى، 1376 هـ - 1957 م۔

([5])    السيوطي : عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين ، الإتقان في علوم القرآن ، 1/181 ،المطبعة ،الهيئة المصرية العامة للكتاب، الطبعة: 1394هـ/ 1974 م

([6])     المرجع السابق ، 1/182

([7])     البرهان في علوم القرآن، 1/278.

([8])     ابن الأثير :مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد، النهاية في غريب الحديث والأثر ، ج4 ص30، حققه: طاهر أحمد الزاوى - محمود محمد الطناحي بيروت :المكتبة العلمية،الطبعة 1399هـ - 1979م۔

([9])     الإتقان في علوم القرآن ،1/181۔

([10])   مناهل العرفان للزرقاني (1/15) ، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى، 1996، وانظر: كتاب النبأ العظيم للدكتور محمد عبد الله دراز (ص: 10) دار طيبة للنشر الطبعة الأولى، 1997، وانظر: المناظرة في القرآن، عبد الله المقدسي (1/ 22) ، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى، 1409،

([11])   محمد, طاهر بن عبد القادر الكردي، تاريخ القرآن الكريم ص10، الحجاز :مطبعة الفتح بجدة، الطبعة الأولى: 1365 هـ و 1946 م 

([12])   الجرجاني : الشريف ،علي بن محمد بن علي ، كتاب التعريفات ص 174 ،بيروت: دار الكتب العلمية –لبنان،الطبعة الأولى 1403هـ -1983م۔

([13])   الدکتور: محمد رواس قلعجي - حامد صادق قنيبي، معجم لغة الفقهاء، ص 359 ، دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع،الطبعة الثانية، 1408 هـ - 1988 م

 ([14]) الباقلاني: أبو بكر، محمد بن الطيب، إعجاز القرآن  1/20 ، حقٍقه: السيد أحمد صقر، مصر: دار المعارف، الطبعة الخامسة، 1997م۔

([15])   الرازي : فخر الدين ،أبو عبد الله محمد بن عمر، مفاتيح الغيب = التفسير الكبير،5/253 بيروت:دار إحياء التراث العربي،الطبعة الثالثة - 1420 هـ

([16])   (الشوكاني: محمد بن علي بن محمد، إرشاد الفحول إلي تحقيق الحق من علم الأصول،ج1 ص )85، (حققه: الشيخ) (أحمد عزو عناية،دار الكتاب العربي،الطبعة الأولى 1419هـ - 1999م)

([17])  الزُّرْقاني:مناهل العرفان في علوم القرآن، ص18

 ([18])  محمد، أحمد خلف الله، القرآن وعلومه، الحديث وعلومه ،ص 5، المؤسسة العربية للدراسات والنشر،الطبعة الأولى 1986۔

([19])  صبحي الصالح، مباحث في علوم القرآن ،ص 21دار العلم للملايين، الطبعة الرابعة والعشرون كانون الثاني/ يناير 2000۔

([20])  محمد أحمد خلف الله، القرآن وعلومه، الحديث وعلومه "مطبوع ضمن موسوعة الحضارة العربية والإسلامية"ص5 ،المؤسسة العربية  للدراسات والنشر،الطبعة: الطبعة الأولى 1986۔

([21]) ابن سعيد الأندلسي :نشوة الطرب في تاريخ جاهلية العرب،ص620 حققه: الدكتور نصرت                     عبد الرحمن،مكتبة الأقصى، عمان – الأردن

([22])  الفراهيدي:خليل بن أحمد ،أبو عبد الرحمن، كتاب العين ص 8/85،حققه: د مهدي المخزومي، د إبراهيم السامرائي،دار ومكتبة الهلال

([23])    ابن منظور:الإفريقى،محمد بن مكرم بن على، أبو الفضل، لسان العرب1/207، بيروت دار صادر،الطبعة: الثالثة 1414ھ

([24])   لسان العرب 1/18۔

([25])   الجوهري:أبو نصر إسماعيل بن حماد، الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية ص 1/86،  حققه: أحمد عبدالغفور ؛عطار،بيروت: دار العلم للملايين،الطبعة الرابعة 1407 هـ‍ - 1987م

([26])  ابن فارس: أبو الحسين ،أحمد بن زكرياء القزويني الرازي، معجم مقاييس اللغة: 1/ 74، حققه: عبد السلام محمد هارون،دار الفكر،الطبعة: 1399هـ - 1979م.

([27])   ابن قيم :الجوزية محمد بن أبي بكر، مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين 2/ 356 ،حققه: محمد المعتصم بالله  البغدادي ،بيروت: دار الكتاب العربي،الطبعة الثالثة، 1416 هـ - 1996م

([28])   الطبراني : أبو القاسم،سليمان بن أحمد بن أيوب ، المعجم الكبير 9/130 ،حققه: حمدي بن عبد المجيد  السلفي،مكتبة ابن تيمية – القاهرة، الطبعة: الثانية۔

([29])  الرازی: زين الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ، مختار الصحاح،ص15 ،حققه: يوسف الشيخ محمد،بيروت: المكتبة العصرية -الدار النموذجية،- صيدا،الطبعة الخامسة، 1420هـ / 1999م۔

([30])   الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية،ص86

([31])   الزَّبيدي: مرتضى،محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني، تاج العروس من جواهر القاموس ص 12،حققه:  مجموعة من المحققين،دار الهداية۔

([32])   مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين: 2/ 356

([33])   مقدمة ابن خلدون "طبعة المطبعة البهية" ص408.

([34])   أبي عمرو الشيباني: شرح المعلقات التسع،تحقيق وشرح: عبد المجيد همو،بيروت: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات- لبنان،الطبعة:الأولى، 1422 هـ - 2001 م

([35])  أبو العباس: أحمد بن محمد بن علي الفيومي ثم الحموي، المصباح المنير في غريب الشرح الكبيرص9،بيروت: المكتبة العلمية۔

([36])   الرافعي : مصطفي صادق ،وحی القلم ص 91  ، بيروت، دار الكتاب اللبناني۔

([37])    وحي القلم، 3/ 207.

([38])   حلمي مرزوق، تطور النقد والتفكير الأدبي الحديث في الربع الأول من القرن العشرين ص370، بيروت، دار النهضة العربية، 1982۔

([39])     وحي القلم3/211.

([40])   ابن جني، الخصائص1/ 218 ، بيروت: دار الكتاب العربي، الطبعة الثانية 1371ﻫ/1952م.

([41])   الجرجاني: أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد، كتاب دلائل الإعجاز1/256،حققه: محمود محمد شاكر أبو فهر،مطبعة المدني بالقاهرة - دار المدني بجدة،الطبعة: الثالثة 1413هـ - 1992م

([42])      ابن عبد ربه: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد ، العقد الفريد2/260، بيروت: دار الكتب العلمية،الطبعة الأولى، 1404 هـ

([43])      ياقوت الحموي: شهاب الدين أبو عبد الله ،معجم الأدباء = إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب20 ،حققه: إحسان عباس،بيروت: دار الغرب الإسلامي، الطبعة: الأولى، 1414 هـ - 1993 م

([44])      عمر الدسوقي ،في الأدب الحديث ص284،دار الفكر العربي،الطبعة: 1420 هـ- 2000م

([45])  أحمد كمال زكي، دراسات في النقد الأدبي، ص 18.

([46])   الرافعي، تاريخ آداب العرب، بيروت، دار الكتاب العربي، ط 2، 1394هـ/1974 م - ج 1، ص 216.

([47])   حليم مرزوق، تطور النقد و التفكير الأدبي، ص 372.

([48] الرافعي، السحاب الأحمر ص 100، بيروت، دار الكتاب العربي، الطبعة الثامنة 1402هـ/1982م.

([49])   الرافعي، أوراق الورد ص 253، مصر:الطباعة السلفية، الطبعة 1349هـ/1931 م.

([50])   الرافعي، وحي القلم، ج3، ص 215.

([51])   أحمد كمال زكي، دراسات في النقد الأدبي، بيروت، دار الأندلس، ط 2، 1980، ص19.

([52])   أوراق الورد، ص 212.

([53])   وحي اللقم، ج3، ص 212.

([54])  فتحي أحمد عامر، من قضايا التراث العربي: الشعر و الشاعر، الإسكندرية، منشأة المعارف، 1405هـ/1985م، ص 95.

([55])   المصدر السابق، ص 213.

([56])  الجاحظ: أبو عثمان ،عمرو بن بحر، الحيوان 3/42،بيروت :دار الكتب العلمية ،الطبعة: الثانية، 1424هـ

([57])  الواقعة ، 19

([58])  الواقعة ، 33

([59])   صبحي الصالح، مباحث في علوم القرآن ص 314 ،دار العلم للملايين ،الطبعة الرابعة والعشرون كانون الثاني/ يناير ،2000۔

([60])  مریم ، 04 

([61])  أبو الحسن: علي بن فَضَّال بن علي بن غالب ، النكت في القرآن الكريم (في معاني القرآن الكريم وإعرابه) ،دراسة وتحقيق: د. عبد الله عبد القادر الطويل، بيروت:دار النشر، دار الكتب العلمية - الطبعة: الأولى، 1428 هـ - 2007 م

([62])  البقرة ،179

([63])  ابن سنان الخفاجي: أبو محمد عبد الله بن محمد بن سعيد، سر الفصاحة 100،دار الكتب العلمية،الطبعة الأولى 1402هـ_1982م

([64])   المقال وتطوره في الأدب المعاصر ، 319

([65])  سورۃ فصلت:42

 ([66])   الاسراء: 89.

 ([67])   الروم: 2ـ3.

 ([68])   القمر: 45.

 ([69])   اعجاز القرآن للباقلاني: 64.

 ([70])   اعجاز القرآن والبلاغة النبوية: 155.

 ([71])   الاسراء: 88.

 ([72])   الطور: 34.

 ([73])   هود: 13.

 ([74])   البقرة: 23.

 ([75])   يونس: 38.

([76])      أبو ذكري: السيد مرسي ،المقال وتطوره في الأدب المعاصر،ص 319دار المعارف ،الطبعة: 1981-1982

 ([77])   اعجاز القرآن والبلاغة النبوية: 189.

 ([78])   الكشاف ،تفسير سورة المدثر: 4/649.

 ([79])   اعجاز القرآن للباقلاني: 112.

 ([80])   اعجاز القرآن والبلاغه النبوية: 192.

 ([81]) مباحث في علوم القرآن: 316.

 ([82])     المصدر نفسه: 313.

 ([83])   الحيوان: 3/161.

 ([84])   البيان والتبيين: 1/82.

 ([85])   الحيوان: 3/366.

 ([86])   الصناعتين: 57 ـ 58.

 ([87])     المصدر نفسه: 69.

 ([88]))  سر الفصاحة: 274.

 ([89])   المصدر نفسه، 49.

 ([90])   ابن جني، الخصائص: 1/218.

([91])   دلائل الإعجاز: 199.

([92])   الحيوان: 3/86.

([93])   الواقعة 19

([94])    الواقعة 33

([95])          العمدة: 1/124.

([96])  الشعر والشعراء:ص 8 .

([97])         الكهف: 54.

([98])         الطور: 15.

([99])   ابن البيع: أبو عبد الله الحاكم محمد بن عبد الله بن محمد، المستدرك على الصحيحين2/550،حققه: مصطفى عبد القادر عطا،بيروت: دار الكتب العلمية ،الطبعةالأولى، 1411 – 1990

([100])    المدثر: 11

([101])   راغب الأصفهانى: أبو القاسم الحسين بن محمد، المفردات في غريب القرآن ص55 ، حققه: صفوان عدنان الداودي،بيروت: دار القلم، الدار الشامية - دمشق ،الطبعة الأولى - 1412 هـ۔

([102]) ابو زيد محمد ،جمهرة أشعار العرب ص 15

([103]) النور، 60

([104]) جمهرة أشعار العرب ص 15

([105]) محمد،15

([106]) الثعالبي : ابو منصور ،عبد الملك بن محمد ،ثمار القلوب في المضاف والمنسوب58 ، القاهرة : دار المعارف

([107]) یوسف ،94

([108]) جمهرة أشعار العرب ،ص20

([109]) الانفال، 1

([110]) صلاح الدين خليل بن ايبك ، الوافي بالوفيات ص8/217 حققه: احمد الارناؤوط وتركي مصطفى بيروت : دار احياء التراث ،الطبعة:1420هـ- 2000م 

([111]) البلد،14

([112]) جمهرة أشعار العرب ،ص26

([113]) الرحمن ،16

([114])       الضبي : المفضل بن محمد، المفضليات ص 428 ،حققه: احمد محمد شاكر و عبد السلام محمد هارون،القاهرة : دار المعارف ،الطبعة السادسة

([115]) ال عمران، 47

([116]) ابن قتيبة: أبو محمد عبد الله بن مسلم، الشعر والشعراء ص 285 ، دار الحديث، القاهرة ،الطبعة 1423هـ

([117]) سورة الحشر،24

([118]) عبد القادر بن عمر البغدادي، خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب9/135 ، حققه: عبد السلام محمد هارون،مكتبة الخانجي، القاهرة،الطبعة الرابعة، 1418 هـ - 1997 م

([119]) سورة هود 44 

([120]) ابن الجوزي : جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي ، المنتظم في تاريخ الأمم والملوك3/153 ،حققه: محمد عبد القادر عطا، مصطفى عبد القادر عطا،بيروت: دار الكتب العلمية،الطبعة الأولى، 1412هـ-1992 م 

([121]) سورة الإسراء 61

([122]) المنتظم في تاريخ الأمم والملوك 2/331

([123])    النازعات 30

([124]) الحاقة 38-43   

([125]) يـس 69 .

([126]) الشعراء 224

([127]) ابن كثير: أبو الفداء إسماعيل بن عمر، تفسير القرآن العظيم6/175 ،حققه: سامي بن محمد سلامة، دار طيبة للنشر والتوزيع،الطبعة الثانية 1420هـ - 1999 م

([128]) تفسير القرآن العظيم6/175

([129]) جمهرة أشعار العرب،ص27

([130]) المجادلة،11

([131]) دیوان حسان بن ثابت الأنصاری  ص55

([132]) ال عمران 103

([133]) جمهرة أشعار العرب،ص29

([134]) الاعراف ،157

([135]) جمهرة أشعار العرب،ص29

([136]) الانبیاء،42

([137]) جمهرة أشعار العرب،ص29

([138]) فصلت،6۰

([139]) جمهرة أشعار العرب،ص29

([140]) الصافات 94

([141]) جمهرة أشعار العرب،ص29

([142]) النور ،35

([143]) جمهرة أشعار العرب،ص30

([144])   الفتح، 29

([145]) جمهرة أشعار العرب،ص30

([146]) الفتح،25

([147]) أبو العباس، أحمد بن عبد السلام الجرّاوي التادلي،(الحماسة المغربية) مختصر كتاب صفوة الأدب ونخبة ديوان العرب1/639، حققه: محمد رضوان الداية، بيروت:دار الفكر المعاصر،  الطبعة الأولى، 1991م

([148]) البقرة، 127

([149]) سورة الليل الآية : 5

([150]) سورة الأعراف، 178

([151]) سورة التغابن ، 17

([152]) البقرة : 127

([153]) سورة القارعة الآية : 6 – 9

([154]) التوبة 29

([155]) المائدۃ 38

([156]) ديوان الاخطل ، الاخطل غياث بن غوث ،ص 20 ،،حققه  عبدالرحمن المصطاوي ،بيروت : دار المعرفة ،لبنان الطبعة الاولي 2003

([157]) الاحقاف:25

([158]) ديوان الاخطل ، الاخطل غياث بن غوث ،ص 54 ،حققه  عبدالرحمن المصطاوي ،بيروت : دار المعرفة لبنان الطبعة الاولي 2003

([159]) الزخرف 67

([160]) شعر الاخطل  ص235،حققه  د فخر الدين قبادة، بيروت:دار الافاق الجديدة، البطعة الاولي 1971م

([161]) العنکبوت 41

([162]) الدیوان321 

([163]) النحل 49

([164]) الدیوان 132

([165]) البقرة 43

([166])   البقرة 29

([167]) الدیوان332

([168]) التوبة100

([169]) خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب ص 1/71

([170]) العقد الفريد 6/177

([171]) المرزباني: أبو عبيد الله بن محمد ،الموشح في مآخذ العلماء على الشعراء ص1/144

([172]) العقد الفريد 6/229

([173]) الشعر والشعراء1/479،89 

([174]) العقد الفريد 6/229

([175]) لسان العرب:5/191

([176]) القاموس المحيط: 479

([177])       عبد الله عبد الجبار - محمد عبد المنعم خفاجى، قصة الأدب في الحجاز247،مكتبة الكليات الأزهرية

([178]) لسان العرب 361

([179])       محمد صالح الشنطي، فن التحرير العربي ضوابطه وأنماطه 225،دار الأندلس للنشر والتوزيع -السعودية / حائل، الطبعة الخامسة 1422 هـ - 2001 م۔

([180]) ص: 20

([181]) أحمد عبد المقصود هيكل ،تطور الأدب الحديث في مصر77 ، دار المعارف،الطبعة: السادسة 1994

([182]) أبو هلال العسكري : الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد، الصناعتين 58،حققه: علي محمد البجاوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم، بيروت : المكتبة العنصرية ،الطبعة : 1419 هـ

([183]) تاريخ الطبري 3

([184])   العقد الفريد 2/13

([185]) نفس المصدر 2/131

([186]) تطور الأدب الحديث في مصر397

([187]) تاريخ الطبري 5/43

([188]) تطور الأدب الحديث في مصر 404

([189]) جمهرة خطب العرب 295

([190]) البيان والتبيين 3/69

([191]) جمهرة خطب العرب 2/492

([192]) صبح الاعشی1/65

([193]) الفرقان الاية 5

([194]) شوقي ضيف،الفن ومذاهبه في النثر العربي ص: 15 دارالمعارف، القاهرة، ط 12۔

([195]) المصدر السابق ص104

([196]) الأنعام 59

([197])۔ جمهرة رسائل العرب2/455  

([198]) ۔      سورة الأعراف الآیة 195

([199]) ۔      محمود مصفطی:الادب العربي وتاریخه ،ص1/237،الطبعة الثانیة

([200]) ۔      سورة الشوری ،الآیة 13

([201]) ۔      سورة الجمعة،الآیة 2

([202]) ۔ جمهرۃ رسائل العرب2/420

([203])  ۔     سورة الأنفال ، الآیة42

Loading...
Table of Contents of Book
ID Chapters/Headings Author(s) Pages Info
ID Chapters/Headings Author(s) Pages Info
Similar Books
Loading...
Similar Chapters
Loading...
Similar Thesis
Loading...

Similar News

Loading...
Similar Articles
Loading...
Similar Article Headings
Loading...