Search from the table of contents of 2.5 million books
Advanced Search (Beta)
Home > الأدب القرآني عند مصطفی صادق الرافعي > البــاب الثانی: حیاةمصطفی صادق الرافعی ومکانته العلمیة والأدبیة

الأدب القرآني عند مصطفی صادق الرافعي |
Asian Research Index
الأدب القرآني عند مصطفی صادق الرافعي

البــاب الثانی: حیاةمصطفی صادق الرافعی ومکانته العلمیة والأدبیة
ARI Id

1683034285969_56115575

Access

Open/Free Access

Pages

49

الفصل الأول: حياة مصطفي صادق الرافعي

اسم و نسبه

هو زين الدين أبو السامي مصطفي صادق الرافعي الفاروقي العمري الطرابلسي زهرة الشعراء ونابغه كتابها وامام ادابها في العصر الحديث و يتصل نسبه بالشيخ عقيل بن عبدالرحمن بن أبي  بكر بن أحمد بن عمر بن عبدالله بن عمر بن زين الدين العمري  المكي ([1])،الذي يمتد نسبه إلى الصحابي الجليل عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما([2]).

ولادته

 ولد في بهتيم  بمصر الطرابلسي الأصل و أم حلبية في الأول من رجب الأصم منتصف عام 1298ه الموافق للثلاثين من أيار /مايو سنة 1881م ([3])تنقل الرافعي بين دمنهور والمنصورة و كفر الزيات تبعا لأبيه حتى استقر به المقام في طنطا ؛ حيث تولى أبوه رئاسة محكمتها ، وهناك في حارة  نشأ الرافعي و ترعرع .

ولقب الرافعي طارئ على الأسرة كان أول من لقب به الشيخ عبدالقادر المتوفي سنة 1815م([4])،لقّبه به الشيخ محمود الخلوتي حين قال له : أنت من رافعي لواء العلم([5])،ونقل العريان عن الرافعي أنه لقب بذلك لما كان له من حظ في الاجتهاد والنظر تشبيها له بالإمام الشافعي الكبير محمود الرافعي([6]).

کان والدهالشيخ عبدالرزاق هو كير القضاة الشرعيين في محفظات القطر المصري ، وقد تولى رئاسة المحاكم الشرعية في كثير من الأقإلیم ، وكان آخر أمره تولي  رئاسة محكمة طنطا ، وقد كانت للشيخ عبدالرزاق-رحمه الله-مواقف مشهودة مذكورة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ([7]) .

كانت الأسرة الرافعية أسرة علم و دين ، تأخذ أبناءها بالتربية الدينية القويمة ، وتغرقهم في الثقافة العربية الإسلامية الأصيلة .

والأسرة الرافعية شامية الأصول من طرابلس الشام ، قدم أفراد منها إلى مصر ليتولوا القضاء الشرعي ، وأول من قدِمَ مصر منهم الشيخ محمد طاهر ،قدمها سنة 1243هـ ليتولى قضاء الحنفية في مصر بأمر من الخليفة العثماني ن ثم توافد من بعده إخوانه وأبناء عمومته([8]).

وقد نبغ من هذه الأسرة عدد غير قليل ، ولاسيما في القضاء ، ووالد الرافعي واحد من أحد عشر أخا اشتغلوا كلُّهم بالقضاء ، ومن الطريف أنه اجتمع من الرافعيين في مصر في وقت ما أربعون قاضيا([9])

بدأ الرافعي تحصيله العلمي على والده الشيخ القاضي ، و ثقف من مجالس الأشياخ والعلماء الذين كانوا يختلفون إلى أبيه علما كثيرا ، حتى إذا بلغ العاشرة كان قد حفظ القرآن و جوّده([10]). و تأخر دخوله إلى الابتدائية إلى عام 1892م ، وهو حينئذ ابن اثنتي عشرة سنة ؛ حيث ابتدأ دراسته في دمنهور ثم أتمها في المنصورة ، وكان هذا كل حظه من التعليم النظامي،ولم يظفر طوال حياته بغير الشهادة الابتدائية .

أخذ الرافعي عن أبيه علما كثيرا في الفقه و الحديث و الأصول و غيرها من العلوم الدينية.

ولم يكتف الرافعي بما حصل عن أبيه شفاها ، بل عكف على مكتبته يعب من نهرها المتدفق ما وسعه ذلك ، ثم أدمن النظر كذلك في مكتبة الشيخ القصبي و مكتبة الجامع الأحمدي في طنطا وكانت له جولات مع كتب الحديث و الأدب شعرا و نثرا ۔

وقد ظهر نبوغه منذ صغره ، حتى لقد راودته نفسه أن يضع في العربية كتابا يجعل شواهدها فيه من نظمه في سائر أبوابها و مسائلها ، وكان قد آثر منذ صباه الحديث بالفصحى ، وكان يقول لصفيه العريان : " فلتكن أنت لي قاموس العامية ! "([11]) .

إن الرافعي لم يتم دراسته بعدَ الابتدائية ، و مردُّ ذلك إلى مرض شديد لزمه فلم يغادره حتى ترك في أذنيه وقرا ، و في صوته حبسة ، و مازال سمعه يضعف شيئا فشيئا وصوته يتضاءل و يحتبس حتى انقطع عن كل صوت حوله و هو في مطلع العقد الثالث من عمره ، و رجع صوته " أشبه بصراخ الطفل فيه عذوبة الضحكة المحبوسة استحيت أن تكون قهقهة "([12]).

تزوج الرافعي وهو في الرابعة والعشرين من عمره من السيدة ( نفيسة البرقوقي ) ، وهي أخت الأستاذ عبدالرحمن البرقوقي صاحب البيان ، وقد عاش معها عيشة الصفاء ثلاثا وثلاثين سنة۔ 

کان مصطفی صادق الرافعی عالم بالأدب، شاعر، من كبار الكتاب. أصله من طرابلس الشام، ومولده في بهتيم (بمنزل والد أمه) ووفاته في طنطا (بمصر) أصيب بصمم فكان يكتب له ما يراد مخاطبته به([13]).

 يظهر من هذا البحث أن الرافعي ولد بسنة 1881ه و توفي 1937م و أصله طرابلسي ومصري ـ

وفي سنة 1899 عين كاتبًا في محكمة "طلخا" الابتدائية، ثم نُقل إلى محكمة "إيتاي البارود" الشرعية، ثم إلى طنطا حيث نُقل إلى المحكمة الأهلية([14]

قد سماه أبوه ’’مصطفي صادق ‘‘واصطفاه من أخوته لما شب عن الطوق وتميز بالذكاء اشتهر بالصدق في الحديث و فاق في الحفظ و دل عند المراجعة علي التيقظ والانتباه۔

و هوابن الشيخ عبدالرزاق الرافعي كبير القضاة الشرعيين في محافظات القطر المصري ،رأس الأسرة العمرية الجديدة ([15])

فالجو الذي تنفس فيه مصطفى كان جوًّا إسلاميًّا عربيًّا. وقد عُني به أبوه، فحفَّظه القرآن ولقنه تعإلیم الدين الحنيف، ثم ألحقه في سن الثانية عشرة بمدرسة دمنهور الابتدائية؛ حيث كان يتولى عمله القضائي. ونُقل إلى المنصورة فأتم مصطفى دراسته الابتدائية هناك، وهو في السابعة عشرة من عمره([16]).

والرفعي الأول هذا هو ابن العارف بالله الشيخ عبداللطيف البسياري ابن الشيخ عمر البسيار بن الشيخ أبي بكر الحموي

نشأته وتعليمه

نشأ الرافعي في رعاية أبيه  وقد عني به عناية خاصة فيها الكثير من الحنو والاشفاق لما كان يعتوره من اعتلال وانحراف صحة و قلة عافيه

 كانت الأسرة الرافعية قد بلغت يومئذ أوجا عالميا من المجد والرفعة العلمية وكمالاخاصا في تهذيب ابنائها ورعايتهم واعدادهم للحياة  وقد بدأ الرافعي التحصيل علي والده الشيخ و في الكتاب مع أخوته وماكاد يتم العاشرة من عمره في استظهر القران علي أبيه حفظا و تجويدا وكان منزل الشيخ عبدالرزاق الرافعي مهبط العلماء والفضلاء من ديار الاسلام جميعا ، ماأتو صرـ

بدايته وانطلاقه

بدأ "الرافعي" حياته الأدبية شاعرًا، وكان لا يتجاوز التاسعة عشرة من عمره، وأخذ ينشر شعره ومقالاته في المجلات ، دخل "الرافعي" إلى مجال الشهرة الأدبية ـ

رأي الزركلي عن مصطفي صادق الرافعي و يقول :

شعره نقيّ الديباجة، على جفاف في أكثره. ونثره من الطراز الأول. له (ديوان شعر - ط) ثلاثة أجزاء، و (تاريخ آداب العرب - ط) جزآن، ثالثهما (إعجاز القرآن والبلاغة النبويّة - ط) و (تحت راية القرآن - ط) و (رسائل الأحزان - ط) و (على السفّود - ط) رد على العقاد، و (وحي القلم - ط) ثلاثة أجزاء، و (ديوان النظرات - ط) و (السحاب الأحمر في فلسفة الحب والجمال - ط) و (حديث القمر - ط) و (المعركة - ط) في الرد على كتاب الدكتور طه حسين في الشعر الجاهلي، و (المساكين - ط) و (أوراق الورد - ط) . ولمحمد سعيد العريان، كتاب (حياة الرافعي - ط) ولمحمود أبي رية: (رسائل الرافعي - ط) وهي رسائل خاصة، مما كان يبعث به إلیه، اشتملت على كثير من آرائه في الأدب والسياسة ورجالهماـ ([17])

فالحديث قد استاثرت به المداس الارسإلیات البشرية وانحسر التعيلم الاخر في أروقه المساجد وبيوتات العلم ـ وقد تاخر دخول أديبنا الاستلرائية في عام 1309ه ـــــــــ1892م حتي أدرك الثانية عشرة ـ ([18])

مفاصحة

و كان قد أظهر نبوغا في العربية و علومها في أثناء دراسته ، دهش لها معلموه من ناحية أثار غبطة أستاذه مهدي خليل ، ولكن زرع الحسد و أوغر صدور بعض زملاء الدرس من ناحية وذلك أنه الثر الفصحي في المخاطبة ـ

وربما كان في دعوته للمفاصحة في الحديث والكلام العام ليس بعثا للسان العربي المبين و توحيد التفكير عند النشء فحسب وانما كالذي يتستّر علي ما في لسانه من اللهجة الشامية أيضا ـ

وهكذا انطبع علي ذاك الفرار من الاسلوب الفريد الذي تميز به بعد ما ارتسمت علي مخيلة صورة العربية الاولي عن اولئك الأفذاذ من العلماء الأمة كأنما أعده القدر الالهي كذلك ، ليكتب بنقائها و رونقها صفحات البيا ن والاعجاز فيمابعد وينشر بلاغة القران العظيم ـ

مرضه  وانقطاعه

وحدث أن مرض ، فقد أصابت الحمي الثقيلة (التيفوئيد) جسمه الضامر ومست شبابه اللدن الفراق تسلبه العافية وتثبته في الفراش أشهرا وبقي عمره عرضة للاصابة بالحميات الطارئة من البرد والزكام النزلات الشعبية ـ([19])  وتوفي سنة 1937م. ([20])

دلائل تأمله

في سني يفاعته ظهرت دلائل تأمله في رحاب الكون ، ولاحت بواكيره محاولاته الأدبية في النظم والكتابة والخطابة ، وكان المطاف قد انتهي بالشيخ عبدالرزاق الرافعي إلی طنطا ذات المركز المرموق والمجال الذي يتسع للفقه والفكرة والأدب حيث يؤمها الناس من مختلف الأوساط والدرجات و تنعم بمغانيها النفوس ،وتتبهج الأرواح ـ

هذه المجال كانت تلهمه معاني لاحصر لها ، و يزيده الاستغراق في تأملها و تمثلها ، فيقلب وجهه في السماء كأنه أحد المتبتلين ممن ينظرون موعدهم مع الوحي والالهام ومابرح علي مثل هذه الحال من عشق الرياضة ، واستجلاء البطبيعة كل يوم بعيد صلاة الفجر دائما حتي اخر يوم من حياته ـ

وكان المطاف قد انته بالشيخ عبدالرزاق الرافعي إلی ’’طنطا‘‘ ذات المركز المرموق والمجال الذي يتسع للفقه والفكر والأدب ـ

في الوظيفة

يوم أدرك الرافعي حقيقة  وحكما  أنه قد انقطع عن الدراسة النظامية في المدارس لم يبق له ما يؤخره عن العمل ، أن يلقف وسيلة عيشه التي تملاء عليه وحشته من أيامه ـ

ومع التزامه بتبعات الوظيفة نشأ فيها نشأة الدلال لمانة أسرته في القضاء ولمنزلته هو في الدنيا الكتابة والأدب كا يتخذها مزجاة للفراغ أحيانا ـ

فكتب حفني ناصف إلی الوزارة يقول : ان الرافعي ليس من طبقة  الموظفين الذين تسري عليهم ما للوظيفة من مستلزمات ، اتركوه يعمل  ويبدع للأمة في ادابها ولافاكفلوا له عيشه في غير هذا المكان ـ

كانت الوظيفة تضجره أحيانا ، فينتمي في احدي رسائله ’’ليست الزمن يهيئ لي من أسباب الكتابة والشعر والتفرغ لهما ، مايغنيني عن التكسب من هذه الوظيفة التي أنا فيها وهم غير مرة أن يحال علي المعاش ‘‘ـ ([21])

لما فرغت من مقالات "المجنون" وأرسلت الأخيرة منها، قلت في نفسي: هذا الآخر هو الآخر من المجنون وجنونه، ومن الفكر في تخليطه ونوادره؛ غير أنه عاد إلی أخلاطًا وأضغاثًا فكأني رأيته في النوم يقول لي: اكتب مقالًا في السياسة. قلت: ما لي وللسياسة وأنا "موظف" في الحكومة، وقد أخذت الحكومة ميثاق الموظفين، لِمَا عرفوا من نقد أو غَمِيزة ليكتُمُنَّه ولا يبينونه؟! فقال: هذه ليست مشكلة، وليس هذا يصلح عذرًا، والمخرج سهل والتدبير يسير والحل ممكن. قلت: فما هو؟قال: اكتب ما شئت في سياسة الحكومة، ثم اجعل توقيعك في آخر المقال هكذا: "مصطفى صادق الرافعي؛ غير موظف بالحكومة".([22])فكانت له حب معها حياة أدبية فريدة ، اتسمت بألق وجدان واستطارت فيها رسائل لهما اجتمع بعضها في رسائل الاحزان و تفرق الاخر علي صفحات في ’’أوراق الورد ‘‘ وكان له حب اخر مع أدبية من لبنان أيضا ، هي التي ظهر أثرها واضحا في أوراق الورد وكادت نصوص رسائلها تغشي الورود المثورة علي رسائل ـ  وكان له صفي مودة أديب خلا إلیه يوما يحدثه في شون الأدب والحياة ـ  

والشيخ محمد عبدالرحمن البرقوقي يصغي إلیه ليظفر منه ’’بشرف الديباجة‘‘ في التعبير البياني،والرافعي يومئذ في الرابعة والعشرين من عمره يتدقق حيوته  وشبابا ، والحماسة والبلاغة تملان عليه افاق أدبه ،دراسة دراسة وممارسةـ([23])

أخلاقه و سيرته

كان الرافعي مهيب الجانب يدل بملبسه الحديث وزيّهِ الأنيق ، ومظهر الرائع كأنه مدعو للاحتفاء أبدا يملأ الوقار عليه مجلسه و يصونه فانه يشف عن جلال العلماء يعرض في بسطة أهل الفقه و يزهو بالأدب ويفصح عن لفتات ذوي الرأي والسيادة بقوام  مثيل وكم كان له من معارف أصدقاء وأحبه من شتي الدرجات فيهم الذبال الفيلسوف و بينهم المهندس والطبيب و الغني والفقير ، فقد أثرت حياته هذه فيه أيما تأثير ، فترجم عن ذاته  وصور نفسه بأدبه كأنما كانت له من هذه  وتلك وهاتيك موحيات عاديات رائحات لايقترن عنه في أدب ولايبخلن عليه عن عطاءـ

حياته الأدبية

كان الرافعي منذ طفولته و في أيام يفاعته و في عفته و شبابه والتزام بقيم دينه الحنيف ونوازع وجدانه و دواعي الصبوة عنده كا يخفق في الاتجاه ومن ذلك محاولته الأدبية في أول أيامه منظومة جاري فيها شيخ الاسلام تقي الدين بن تيميه في ’’ذم الهوي ‘‘و تكلف لها حالة من الوعظ لم ينل فيها ولا سيما  في مثل قوله :

لعمرك ما الهوي الا هوان   وهل رضي الخناء الااللئام

ثم عاد فسابق علماء الأدب فيها وأدهشهم بمفور علمه حتي خرج عليهم  بمصنفه الجليل في تاريخ اداب العرب الذي دَرَسَ فيه اللغة والرواية  في الجزء الأول ، و تاريخ القران والبلاغة النبوية في الجزء الثاني وأثبت من الدقة و تجري الحقائق ما أكبر عند المقتطف ، كبري المجلات العلمية يومئذ أعجب به جيل الأساتذة والمحاضرين ـ

خصّ الرافعي قسمًا كبيرًا من مقالاته للدفاع عن الإسلام ومصر والشرق. وكانت نزعته في كتاباته نزعة إسلامية شديدة فيها من التدين والاندفاع الشيء الكثير، وكان غزير الفكر، يملي عليه العقل والتدين كثيرًا من الحكم والمواعظ الخلقية ويوجهانه في كتاباته توجيهًا اجتماعيًّا([24]).

وإذا تركنا المستشرقين إلى العرب المحدثين والمعاصرين؛ وجدنا مصطفى صادق الرافعي يعرض هذه القضية -قضية الانتحال في الشعر الجاهلي- عرضًا مفصلًا في كتابه "تاريخ آداب العرب" الذي نشره في سنة 1911ء ،ولكنه لا يتجاوز في عرضه -غالبًا- سَرْدَ ما لاحظه القدماء ونحن نحمد له استقصاءه لملاحظتهم كما نحمد له ما وقف عنده من شعر الشواهد للمذاهب النحوية والكلامية؛ فقد لاحظ ما دخل هذا الشعر من بعض الوضع، وهو وضع سجله القدماء أنفسهم ولم يفتهم التنبيه عليه.([25])

نشر الجزء الأول من كتابه "تاريخ آداب العرب" سنة 1911، وهو يدل على إيمانه الشديد بهذه الآداب، وأنها تعلقت قلبه حتى الشغاف. ودار العام، فأصدر الجزء الثاني من هذا التاريخ، وقصره على إعجاز القرآن والبلاغة النبوية، وقد طبعه فيما بعد مستقلًّا باسم إعجاز القرآن، وكتب سعد زغلول تقريظًا له شبَّه فيه أسلوب المؤلف بالتنزيل الحكيم، وهو تشبيه يصور حقيقة كبيرة، فإن الرافعي يتأثر في نثره العبارة القرآنية في بلاغتها وسموها([26]).

الأسلوب الرافعي وأهم سمات أسلوبه ما يلي

يزدحم أسلوبه بالاستعارات والمجازات والكتابات في جدة وطرافة، وإتقان وإبداع.

استلهام لفظة أو عبارة من القرآن الكريم، أو جملة من الحديث النبوي الشريف، أو مثل مشهور، أو بيت شعر مأثور.

 الاقتصاد في استخدام بعض ألوان البديع الذي يخدم الجانب المعنوي في توكيد الأفكار كالمقابلة والتورية، والجانب البياني في روعة الصياغة كالسجع والجناس.

تشيع فيه الخواطر النفسية، والمشاعر الإنسانية، والمواقف الإسلامية، والصور الوصفية، والنظرات الإصلاحية، ممزوجة بالطابع العربي الإسلامي.([27])

هذه السمات الذي تميز به الرافعي في أسلوبه ۔

كان التحول بأسلوب الاداب من طبيعة الحياة الوليدة ظاهرة جديرة بالأخذ والتوسع فيها فهما وعلما، وقد تالفها جيل سبق الرافعي في الزمن ودله علي المحبة في ذلك ، وان تباين أخذ رجاله فقصر في ناحية ، ووُفّق في نواح أخري ، وجلي أمامه خلال المذاهب والأذواق والمواجد ([28])

كان أسلوب الرافعي في النثر قريب الشبه بأسلوب أبي تمام في الشعر؛ تزدحم فيه الاستعارات والمجازات والكنايات والتشبيهات وهذا كله يأتيها من جهة إعمال الفكر وتحكيم المهارة أنها تستلهم المعجم القرآني والسني والتراثي على وجه العموم؛ حيث يتكئ الكاتب في كثير من المواطن على لفظة أو عبارة من القرآن الكريم، أو على كلمة أو جملة من الحديث الشريف، أو على حكمة أو مثل أو بيت شعر من مأثورات العرب.([29])

امتياز الرافعي

ثم اذا انتقلنا إلی الرافعي الأديب ،وتقلبنا معه في مراحل تطوره الفكري ،ومذهبه وأسلوبه ، ووقفنا علي فنون أدبه ،فلسوف تتضح لنا صورة العصر ، وسوف تتجلي أمامنا تلك الاثار جميعا في حرية واغتباطـ وقد امتاز الرافعي من حيث تحرر الحلى اللفظية أو الزخارف البديعية، ومحكمة ألفاظه ،دقيقة معانيه و طريفة أفكاره ـ

البنية الثقافية

أن الرافعي نشأ نشأة علمية أدبية ؛ إذ حفظ القرآن و هو دون العـاشرة ، ثم أخذ عن أبيه علما كثيرا في الفقه و الحديث و الأصول و غيرها من العلوم الدينية .

و لم يكتف الرافعي بما حصل عن أبيه شفاها ، بل عكف على مكتبته يعب من نهرها المتدفق ما وسعه ذلك ، ثم اقبل الی المکتبات كذلك مكتبة الشيخ القصبي و مكتبة الجامع الأحمدي في طنطا ، وكانت له جولات مع كتب الحديث و الأدب شعرا و نثرا ، حتى لقد حفظ نهج البلاغة  وهو دون العشرين ، حفظه في القطار بين طنطا وطلخا ذاهبا إلى وظيفته وآيبا منها ([30]) ، وكان يقرأ كل يوم ثماني ساعات متواصلة.بل ذكر العريان أن الرافعي احتاج مرة أن يعبر عن معنى في أسلوب من أسلوبه فتأبى عليه القول ؛ فأخذ يغمغم برهة ، فإذا هو يقرأ لنفسه من ذاكرته بابا من كتاب المخصص لابن سيده([31]) ! وكان إلى ذلك بصيرا بدقائق النحو و خواص التراكيب و فروق اللغات([32]).

ولم تكن تلك الثقافة التراثية هي كل حظ الرافعي ، بل كان له بصر بما جد من علوم إنسانية لدى الغرب ، وقد عرف الفرنسية معرفة حسنة ، وقرأ بها عدة سنوات بعض ما اتفق له من كتب العلم و الأدب([33]).ومما قاله في معرض رده على سلامة موسى : " كذب سلامة في زعمه أني لا أعرف لغة أجنبية ، فأنا أعرف الفرنسية و أستطيع الترجمة منها " ، وحكى البدري عن زينب ابنة الرافعي أن أباها كان يتخذ عصر كل يوم مجلسا يراجع فيه المعْلمة الفرنسية مستعينا بمعاجم فرنسية و عربية ، وذكر أنه وجد بين أوراقه قطعة من صحيفة فرنسية و قد جرى فيها قلم الرافعي بخط فرنسي بادي الجمال و الوضوح([34]).

و لا يقف الأمر عند معرفته أسماء الكتب ، بل نجده إذ يناقش خصومه يعرض للحديث عن آداب اللغات الأوروبية " كأنه لم يكن يفوته منها شيء أحضر أو ترجم "([35]).

و هكذا نرى أن الرافعي يتكئ في ثقافته على التراث العربي الإسلامي،و أنه إلى ذلك أحاط خبرا بما لدى الآخرين ، ولكنها الإحاطة التي لا تفضي إلى الذوبان والتبعية ، و إنما هي الإحاطة التي تمنح العقل قوة و طاقة و عافية يعود بها إلى تراثه أوفر ما يكون نشاطا ، و أحد ما يكون بصيرة .

و من خلال هذه البنية الثقافية نستطيع نقدم بعض المؤثرات في أسلوب الرافعی و لغته ، فالأول :

كتاب الله عز وجل و حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم . و أدل شيء على تأثير لغة الكتاب العزيز و الحديث الشريف على لغته۔

والثاني:

ما حفظه من تراث العرب ، و بيان فصحائهم ، و كثرة قراءته في كتب الجاحظ وابن المقفع و أبي الفرج ،وقد قال ابن خلدون ( رحمه الله ‍):

" و على قدر جودة المحفوظ ، وطبقته في جنسه ، و كثرته من قلته تكون جودة الملكة الحاصلة عنه للحافظ … ثم تكون جودة الاستعمال من بعده ، ثم إجادة الملكة من بعدهما لأن الطبع إنما ينسج على منوالها "([36]).

والثالث:

هو قراءته الواسعة في شتى فنون الثقافة الإسلامية ، ونحن نعلم أن لغة كثير من المصنفين من فقهاء أو محدِّثين أو مؤرخين أو غيرهم لم تكن محل ثقة عند نَقَدة الاستعمال اللغوي ، وحسبك أن الأصمعي قد خطأ سيبويه و أبا عبيدة و الأخفش([37]) . وقد ظهرت في كتابة الرافعي أسإلیب تأثر فيها بلغة هؤلاء المصنفين .

أما الرابع من هذه المؤثرات:

فهو ما ولع به الرافعي من النظر في الكتب المترجمة ؛ فقد " تسللت إلیه بعض عبارات التراجمة ، واستعملها من غير أن يفطن إلى ما وراءها ، على الرغم من شدة حساسيته، وصارت جملته"([38]).

 من أجل ذلك في نظر البعض:

" تشبه الجملة المترجمة أحيانا لفرط تحررها من الأنماط القديمة "([39]) ، وأحسب أنه تأثر كذلك بما كان يقرؤه من الفرنسية مباشرة .

مذهبه في الكتابة

تحكم مذهب الرافعي في الكتابة أصول نظرية آمن بها و اتخذها نبراسا ، ثم بنى عليها فنه و أدبه . و لعلي أشير هنا إلى نصوص من أقواله ترسم لنا ملامح هذه الأصول:

" إن كلمةً قرأتها لفكتور هوجو كان لها أثر في الأسلوب الأدبي الذي اصطنعته لنفسي ، قال لي الأستاذ فرح أنطون مرة : إن لهوجو تعبيرا جميلا يعجب به الفرنسيون كل الإعجاب وهو قوله يصف السماء ذات صباح : ( و أصبحت السماء صافية كأنما غسلتها الملائكة بالليل ) . و أعجبتني بساطة التعبير و سهولة المعنى ؛ فكان ذلك حذوي من بعد في الإنشاء "([40]) .

 " لعل غموض بعض الفلاسفة و بعض الشعراء هو من دليل الطبيعة على أنهم زائدون في الطبيعة "([41]).

 " إن مذاهب العرب واسعة ، و لنا ما لهم من التصرف في الاستعمال إذا لم نخرج عن قاعدتهم ، و قد يزيد الإنسان حرفا لاستقامة الأسلوب ، و إن خالف نقل اللغةِ ، كما يزيد العرب و يحذفون من أمثال ذلك ، وهو كثير في كلامهم ، والقرآن أبلغ شاهد عليـه ، فدعنا من هذا و مثله ، و أعتقد أن مذاهب العرب ليست بالضيق الذي يتصورونه "([42]).

 " لا قيمة لكاتب لا يضع في اللغة أوضاعا جديدة "([43]).

" لا نقول : هذه العربية كاملة في مفرداتها ، و لا إنه ليس لنا أن نتصرف فيها تصرف أهلها "([44]).

" إن الخاصية في فصاحة هذه اللغة ليست في ألفاظها ، و لكـن في تركيب ألفاظـها"([45]).

" الكاتب العلمي تمر اللغة منه في ذاكرة و تخرج كما دخلت عليها طابع واضعيها ، و لكنها من الكاتب البياني تمر في مصنع و تخرج عليها طابعه هو "([46]).

" ما أرى أحدا يفلح في الكتابة و التإلیف إلا إذا حكم على نفسه حكما نافذا بالأشغال الشاقة الأدبية كما تحكم المحاكم بالأشغال الشاقة البدنية "([47]) .

" يريدون فوق ذلك أن يطرحوا عنا كَدَّ الصناعة ؛ لتكون خاتمة عجائبنا في هذا الجيل صناعة بلا كدٍّ "([48]).

" و لقد ذكروا أن أناتول فرانس كان من التوفر على التنقيح ، و التلوم على السبـك،و الحوك في كتابته و أسلوبه بحيث يكتب الجملة الواحدة مرة إلى مرتين إلى سبع مرات أو ثمان ، ينقح في كل ذلك و يهذب و يتعمل ، فهذا عندهم طلق مباح ،ولكنّ بعضه عندنا و إن جاء بالمعجزات يكفي لأن يقلب المعجزة إلى حيلة و شعوذة "([49]).

" إن مدار العبارات كلها على التخيل و تصوير الحقائق بألوان خيإلیة لتكون أوقع في النفس ، و من هنا كان الذين لا معرفة لهم بفنون المجاز أو لا ميل لهم إلى الشعر لا يميلون إلى كتابتي ، و لا يفهمون منها حق الفهم ، مع أن المجاز هو حلية كل لغة و خاصة العربية ، و لا أعد الكاتب كاتبا حتى يبرع فيه ، وهذا الذي جعلني أكثر منه مع أنه متعب جدا "([50]).

" و ما المجازات و الاستعارات و الكنايات و نحوها من أسإلیب البلاغة إلا أسلوب طبيعي لا مذهب عنه للنفس الفنية "([51]) .

و كل هذه الملامح ظاهرة فيما كتب الرافعي إلا ما ذكره من بساطة التعبير ووضوح المعنى ، فإن هذا لا يسلَّم له في كل ما جاء به ، فقد كان الرافعي نتيجة لتتبعه دقائق المعاني و إغراقه في المجاز ، وتوليده المعنى من المعنى ، و الفكرة من الفكرة ، يغرق أحيانا في الغموض حتى لا تكاد تدرك مراده و مبتغاه ، وقد تنبه الأدباء لمثل هذا الغموض في أسلوبـه ، و استغله خصومه للطعن عليه و الزراية به ، حتى لقد قال طه حسين عن كتابه ( حديث القمر):" اللهم إني أشهد أني لا أفهم شيئا … ومهما يكن من شيء فإن الذين يريدون أن يروضوا أنفسهم على الطلاسم ، واقتحـام الصعـاب ، و تجشـم العظائم من الأمور يستطيعون أن يجدوا في كتاب الرافــعي ما يريدون " ([52])

ورأى آخرون من أنصار الرافعي أن هذا الغموض إنما هو " من تحريه صفة الشعر و البيان"([53])

وقال العريان : " و من هذا الكتاب يعني حديث القمر كانت أول التهمة للرافعي بالغموض والإبهام واستغلاق المعنى عند فريق من المتأدبين ، و منه كان أول زادي و زاد فريق كبير من القراء الذي نشؤوا على غرار في الأدب لا يعرفه ناشئة المتأدبين اليوم "([54]).

على أن الرافعي حين كتب في الرسالة ، وصار له جمهور ، تبسط في أسلوبه ، و مال إلى الوضوح ؛ إذ كان من قبل يكتب لنفسه ، و إرضاء لفنه ، غير عابئ بوضوح المعنى لدى قارئه ، إذا كان هو يراه واضحا في نفسه ، فلما أدرك حق قرائه عليه تخفف من ذلك الغموض ، ومن هنا ظهر الفرق بين كتابه : ( وحي القلم ) و بين غيره من كتبه .

فإذا أراد أن يعطيها الصورة ويكسوها اللفظ ، جلاها على الوضع الماثل في ذهنه ، وأداها بالإيجاز الغالب على فنه ، فتأتي في بعض المواضع غامضة ملتوية وهو يحسبها واضحة في نفسك وضوحها في نفسه "([55]).

إن الملامح التي رسمها الرافعي للكتابة الأدبية الناضجة قد تحققت في أدبه هو إلا ما ذكره من الوضوح و السهولة و البيان ۔

وسع الرافعي كثيرا في مذاهب بناء الجملة

و لو أراد أحد " أن يتتبع ما أجدَّ الرافعيُّ على العربية من أسإلیب القول لأخرج قاموسا من التعبير الجميل يعجز عن أن يجد مثله لكاتب من كتاب العربية الأولين "([56]) فمن ذلك قوله : شيطان ليطان و سهلا مهلا على الإتباع ، واختراعه كلمة ( أما قبل )([57])، و إيثاره (آخر أربع مرات ) في مقابل : رابع مرة ، وإدخاله حرفا على حرف من نحو قوله : في هل([58]) ، و استخدامه كلماتٍ ينازعه في فصاحتها غيره مثل : اكتشف ، و الزهور ، و الورود([59]) ، و تجويزه النسبة إلى الأخلاق([60]) ، وذهابه إلى قياسية التضمين([61]).و سوف يظهر لنا من خلال التحليل النحوي للمستويات التركيبية في الجملة الرافعية أن له تراكيب كثيرة يرفضها الأصل النحوي ؛ فمنها ما يتأتى تخريجه بتأويل و نحوه ، و منها ما لا يكاد يستطيع أحد إخراجه من دائرة الخطأ ، وكل ذلك مرده إلى جرأته و توسعه .

و تجدر الإشارة هنا إلى أن هذه الجرأة و هذا الاقتحام مما لا يكاد يخلو منه أديب فذّ خلال تاريخ العربية الطويل ، و أنا أنقل هنا كلمة لابن جني ( رحمه الله ! ) تبسط وجه العذر في ذلك ، و تبين مأتاه ، قال ( رحمه الله ! ) و هو يتحدث عن الضرورات و إقدام الشاعر عليها : " فمتى رأيت الشاعر قد ارتكب مثل هذه الضرورات على قبحها وانخراق الأصول بها ، فاعلم أن ذلك على ما جَشِمَه منه و إن دلَّ من وجه على جوره و تعسفه ، فإنه من وجه آخر مؤذن بصِيالِهِ و تخمُّطه ، و ليس بقاطع دليل على ضعف لغته ، و لا قصوره عن اختيار الوجه الناطق بفصاحته ، بل مثَلُه في ذلك عندي مثل مُجْري الجَموح بلا لجام ، ووارد الحرب الضروس حاسرا من غير احتشام ، فهو وإن كان ملوما في عنفه وتهالكه ، فإنه مشهود له بشجاعته وفيض مُنَّتِه ؛ ألا تراه لا يجهل أن لو تَكَفَّر في سلاحه ،أو أَعْصَم بلجامٍ جوادَه ، لكان أقرب إلى النجاة ، وأبعد عن المَلْحاة ، لكنه جشِم ما جشِمه على علمه بما يعقب اقتحام مثله ، إدلالا بقوة طبعه ، ودلالة على شهامـة نفسـه "([62])، ولله هذه الكلمة الجليلة التي فاه بها ابن جني ( رحمه الله !) .

ومن كل ما سبق كان الرافعي على شدة حفاظه على أسلوب العربية يبني جمله وعباراته على نمط لم يكن قط كتلك الأنماط التي عرفت لسابقيه من فحول البيان ، وعلينا وقد عرفنا ذلك أن نحسن الظن به وبغيره من كبار المنشئين ، " ونحاول استكشاف أسرار التراكيب لديهم ، حتى تلك التي تبدو على أنها ـ من وجهة نظرنا ـ مخالفات نحوية يرتكبونها "([63]).

و أما الملمح الثاني و هو العناية بالتراكيب أكثر من العناية بالألفاظ ، فهو بَيِّنٌ كذلك في كل ما كتب . و قد كان الرافعي ( رحمه الله ! ) يعتدُّ الكتابة هندسة كهندسة البناء سواء بسواء ؛ فكما أن الفرق بين منزل حسن و آخر قبيح إنما هو في تناسب أجزائه ، وتلاؤم أطرافه ، و حسن تخطيطه ، فكذلك الفرق بين كلام حسن و كلام قبيح ، فالألفاظ هي الألفاظ و إنما الشأن في نسقها و إلف بعضها لبعض ، ووقوعِ كلٍّ موقعَه اللائق به . وتأمل قوله : " ههنا خوان في مطعم كمطعم الحاتي مثلا عليه الشواء و الملح والفلفل والكواميخ أصنافا مصنفة ، و آخر في وليمة عرس في قصر و عليه ألوانه وأزهـاره ، ومن فوقه الأشعة ، ومن حوله الأشعة الأخرى من كل مضيئة في القلب بنور وجهها الجميل ، أفترى السهولة كل السهولة إلا في الأول ؟ و هل التعقيد كل التعقيد إلا في الثاني ؟ ولكن أي تعقيد هو ؟ إنه تعقيد فني ليس إلا "([64])؛ ولذلك " كانت له عناية واحتفال بموسيقية القول ، حتى ليقف عند بعض الجمل من إنشائه برهة طويلة يحرك بها لسانه حتى يبلغ بها سمعه الباطن ، ثم لا يجد لها موقعا من نفسه فيردها و ما بها من عيب ليبدل بها جملة تكون أكثر رنينا و موسيقى "([65]).

و تميُّزُ أسلوب الرافعي ، و مباينته لكل أسلوب سواه ، و دلالته على صاحبه ، مما اجتمعت عليه الكلمة ، و لا أعلم أديبا معاصرا حاز من هذه الفضيلة ما حازه الرافعي ؛ فقد " كان في الكتّاب طريقة وحده "([66]) ، وكان يكتب في الصحف مرارا بدون توقيع فينمُّ أسلوبه عليه ، حصل ذلك في مقالات ( على السفود )([67]) ، و في مقالة ( جنود سعد )([68]) ، و هو و إن كان يحفظ و يقرأ لأعلام الكتاب فإنه كان " يجمع أطرافا من أولئك بطريقة رافعية "([69]).لقد استطاع الرافعي " أن يكون أمثولة فريدة في غناء البيان العربي وحيـاة البلاغة ألا ترى أن عبارتـه و جملته و أسلوبـه تظهر لقارئيه للوهـلة الأولى؟"([70])

و أما تعبه في الكتابة و كدُّه فيها فقد بلغ فيه الغاية ، و عرف ذلك عنه ، و دفع ذلك طه حسين إلى أن يقول عن كتاب ( رسائل الأحزان ) : " إن كل جملة من جمل الكتاب تبعث في نفسك شعورا قويا أن الكاتب يلدها ولادة ، و هو في هذه الولادة يقاسي ما تقاسيه الأم من آلام الوضع "([71]).

كان الرافعي ( رحمه الله ! ) " يجهد جهده في الكتابة ، و يحمل من همها ما يحمل"([72])، وكان " لا يرحم نفسه إذا حملها على شيء "([73])، و ربما اقتضاه المقال الواحد أن يقرأ مئات الصفحات كما حدث عند كتابته مقالة ( البلاغة النبوية ) ، فهو "لم يتهيأ لكتابتها حتى قرأ صحيح البخاري كله قراءة دارس ، و أنفق في ذلك بضعة عشر يوما ثم كتب الفصل بعد ذلك في ثلاثة أيام "([74]).وقل مثل ذلك فيما كتبه عن شوقي و حافظ فهو لم يقدم على ذلك حتى قرأ ديوانيهما قراءة متذوِّقٍ متأمِّلٍ([75])،  وحسبي أن أشير هنا إلى نُتَفٍ من أقواله يصف فيها ما عاناه من نصب في تإلیف كتابه أوراق الورد: " لأني شديد التعب في هذا الكتاب ، و الكتابة فيه عسرة جدا "([76]).

" أوراق الورد انتهى ، و سأبدأ في التنقيح و التبييض و هو عمل شاق ، و الله المعـين ، و هذا الكتاب تعبت فيه كثيرا "([77]).

" وقد تعبت فيه أشد التعب "([78]).

" لا بد أن أوراق الورد كان طاحونة للأعصاب "([79]).

"كل هذا التخريب العصبي جاء من أوراق الورد و من النزلة الملعونة"([80]).

لقد كان الرافعي يأخذ الكتابة مأخذ الجد ، و ما كان يرضى فيها بالسهولة التي تفضي إلى سقوط المبنى و المعنى ، و لم يرض قط أن يشعوذ على قرائه بكلام غير محرر ليملأ به فراغا من صحيفة.

7ـ كيف كان يكتب ؟

غرض هذه الفقرة بيان ( الطقوس ) التي كان يتبعها الرافعي و هو يمارس الكتابة ، وقد عقد صفيُّه العريانُ فصلا ممتعا كشف فيه عن طريقته ( رحمه الله ! ) ، و خلاصتها : أنه كان يُعمل ذهنُه أبدا في البحث عن موضوعاته ، يستخرجها مما يراه أو يقرؤه ، و من ثم كان يحمل دائما في جيبه ورقات يضمّنها خواطره و أفكاره و عناوين موضوعاته . فإذا اختار موضوعه ترك فكره يعمل فيه ، حتى إذا اجتمع له ما يرضاه أخذ في ترتيب معانيه ، وتنسيق أفكاره ، و حذف فضولها ، و حينئذ يشرع في الصياغة. و أول ما يعنيه من ذلك بدء الموضوع و خاتمته ، فإذا جاءه من ذلك ما يرضاه ، أخذ أُهْبَتَه للإملاء ، و استعد لذلك بقراءة يسيرة في كتاب لإمام من أئمة البيان كالجاحظ وابن المقفع و نحوهما ، ثم يشرع في إملائه ، وكان إبان ذلك يغلق شرفته ، و لا يأذن بصوت ولا ضوضاء حتى يفرغ مما هو فيه بعد ساعات أربع أو تزيد ، يتخذ خلالها فنجانة أو اثنتين من الشاي و القهوة ، وربما أشعل دخينة أو دخينتين.

فإذا فرغ من إملائه عمد إلى الشرفة يستنشق هواءها ، ثم أوى إلى فراشه ، ثم يكون أول عمله في الصباح بعد صلاة الفجر أن يعود إلى مقاله فيقرؤه و يصححه . هذه هي مقالة الرافعي " مقالة هي عمل الفكر ، و كد الذهن ، و جهد الأعصاب ، و حديث النفس في أسبوع كامل ، ولكنها مقالة!"([81]).

مؤلفات الرافعي

ديوان شعر، في ثلاثة أجزاء.

تاريخ آداب العرب، ثلاثة أجزاء.

إعجاز القرآن والبلاغة النبوية.

تحت راية القرآن.

رسائل الأحزان.

على السَّفُّود؛ وهو رد على العقاد.

وحي القلم، ثلاثة أجزاء.

ديوان النظرات.

السحاب الأحمر، في فلسفة الحب والجمال.

حديث القمر.

المعركة؛ في الرد على كتاب الدكتور طه حسين في الشعر الجاهلي.

المساكين.

أوراق الورد.

وقد ألف محمد سعيد العريان كتابًا عن حياة الرافعي. ولمحمود أبي رية "رسائل الرافعي" وهي رسائل خاصة مما كان يبعث به إلیه، اشتملت على كثير من آرائه في الأدب والسياسة ورجالهما.

مصطفي صادق الرافعي كالشاعر

عالم بالأدب، شاعر، من كبار الكتاب. أصله من طرابلس الشام، ومولده في بهتيم (بمنزل والد أمه) ووفاته في طنطا (بمصر) أصيب بصمم فكان يكتب له ما يراد مخاطبته به. شعره نقيّ الديباجة، على جفاف في أكثره. ونثره من الطراز الأول. له (ديوان شعر - ط) ثلاثة أجزاء۔([82]

وكان المرحوم "مصطفى صادق الرافعي"، قد نظم أول عهده بالشعر قصيدة في مدح الإمام، وأنفذها إلیه ثم لقي "حافظا" فقال "حافظ": إنه تلاها على الإمام وإنه استسحنها، فقال له الرافعي: فماذا كانت كلمته فيها؟ قال: إنه قال: لا بأس بها فاضطرب شيطان الرافعي من الغضب وقال: إن الشيخ ليس بشاعر فليس لرأيه في الشعر كبير معنى، فقال له "حافظ": ويحك إن هذا مبلغ الاستحسان عنده، قال الرافعي -قلت "لحافظ": وماذا يقول لك أنت حين تنشده؟ قال: أعلى من ذلك قليلًا، فأرضاني والله أن يكون بيني وبين "حافظ" "قليل"، وطمعت من يومئذ، وأنا أرى أن "حافظ إبراهيم" إن هو إلا ديوان الشيخ محمد عبده لولا أن هذا لما كان ذلك ([83])

كان الرافعي شاعراً مطبوعاً بدأ قرض الشعر وهو في العشرين، وطبع الجزء الأول من ديوانه في عام 1903 وهو بعد لم يتجاوز الثالثة والعشرين، وقد قدّم له بمقدمة بارعة فصّل فيها معنى الشعر وفنونه ومذاهبه وأوليته. وتألق نجم الرافعي الشاعر بعد الجزء الأول واستطاع بغير عناء أن يلفت نظر أدباء عصره، واستمر على دأبه فأصدر الجزأين الثاني والثالث من ديوانه.  وبعد فترة أصدر ديوان النظرات.

غير أنه سلك السبيل إلی الشعر والقول ، فما كاد يرسل فيه بعض القوافي حتي تلفت حوإلیه كأنه يبحث عن الصدي ، فأطال الحديث له في الشعر ’’الشعر العربي‘‘ دار فيه مع فنونه جميعا، وعرف أغراضه،و جمع عناصره ، وقال في بديعيّاته ، و موشحاته وأزجاله ، وقدح في القديم وأهاب أن ينظر إلی ما يقوله الشاعرون من شعر في روح العصر ، وكأنه يرشح نفسه أو يعرض بضاعته ، ويستلفت الانظار إلیها بما يعلمه من الشعر ([84])

الشاعر المخاطر

و بهذه الروح المخاطرة في المباراة أسرع فأخرج ديوانه الاول ، يثبت فيه وجودة الشاعر ، ويأكذ مكانه بجدارة الفارس، ويكسب من الثناء عليه واطراء نعته وأدبي، ما جعله يقف علي الصراط الذي مضي به۔

وقال مصطفي نعمان البدري :

وعلي الرغم من أنه حشد في ’’ديوان الرافعي‘‘بأجزائه الثلاثة من فنون الشعر ومذاهب القول فيه و معانيه ما كاد يجمع بينها بطريقة تإلیف خاصة وزنا وقافية وموضوعا ، يخيل فيها إلی القارئ الناقد كانما كان يريد تجديد معاني الشعر العربية بديباجته هو، وأسلوبه الخاص([85])

ثم نشيده الاخر ’’حماة الحمي‘‘ الذي أضحي النشيد القومي للامة العربية ، بعد ما شرق في العراق والشام ، وغرب في تونس والمغرب فأضحي الرافعي بذلك الأديب الشاعر لسان النهضة العربية ، ومثال يقظتها القومية لا منازع ([86])

وممن اشتهر بوضع الأناشيد المرحوم مصطفى صادق الرافعي، وقد تغلب نشيده القومي على كل نشيد سواهن ولحن تلحينًا قويًّا، وحفظه الصغار والكبار ثم توجه به سعد باشا زغلول زعيم الحركة الوطنية، وصار هذا النشيد نشيدًا وطنيًّا لمصر، وأرى أنه يمثل ما يشترط في النشيد القومي تمام التمثيل، ولذلك أثبته هنا نموذجًا لهذا اللون من الشعر.

اسملي يا مصر إنني الفدا

ذي يدي إن مدت الدنيا يدًا

أبدًا لن تستكيني أبدًا

إنني أرجو مع اليوم غدا

ومعي قلبي وعزمي للجهاد

ولقلبي أنت بعد الدين دين

لك يا مصر السلامة

وسلاما يا بلادي

إن رمى الدهر سهامة

اتقيها بفؤادي ([87])

هذا سبب مما عدل بالرافعي عن مذهبه في الشعر إلی مذهبه الجديد في الأدب والانشاء۔ وذلك أنه يري في الشعر العربي قيودا لا تتيح له أن ينظم با لشعر كا يريد أن يعبر به عن العواطف المضمرة في نفسه

تفسر لنا قول الرافعي : ’’ ان في الشعر العربي قيودا لا تتيح له أن ينظم بالشعر كل ما يريد أن يعبر به عن نفسه الشاعرة ، أو يؤيد ما أدعيه أنا ، من أنه كان يشعر بالعجز عن الابانة عن كل خواطره الشعرية في قصيدة من المنظوم ، ولايعجزه البيان في المثور([88])

مصطفي صادق الرافعي كالناقد

يعتبر مصطفى صادق الرافعي من أشهر نقاد العرب في العصر الحديث. لقد خلف وراءه صدى بعيدا مما كان بينه وبين أدباء عصره، يمكن أن يطلق عليها الخصومات الأدبية. وكان الرافعي حادا في نقده، شديدا في خصوماته، فأوغر ذلك صدور القوم من أصحاب الأفكار المستوردة في عصره۔

كان الرافعي ناقداً أدبياً عنيفاً حديد اللسان والطبع لا يعرف المداراة، ولا يصطنع الأدب في نضال خصومه، وكانت فيه غيرة واعتداد بالنفس، وكان فيه حرص علي اللغة كما يقول أحمد أنور الجندي: " من جهة الحرص علي الدين إذ لا يزال منهما شيء قائم كالأساس والبناء لا منفعة بأحدهما إلا بقيامهما معاً "([89])

وليس هناك مثل أتم وأوفى لنقد الرافعي، إلا ما كتبه الرافعي في كتابه “على السفود” نقدا للعقاد. ولا شك في أن الرافعي قد احتشد لهذه المقالات التي جمعها بعد ذلك في هذا الكتاب، ففيه كل خبراته النقدية. فهي لا تخرج عن خبرات الناقد العربي القديم مفهوما وشكلا.

كانت بدايات النقد عند "الرافعي" بعض المقالات التي كان ينشرها في المجلات والجرائد التي كانت تنتشر في عصره، ومن أشهرها: مقال نشره في الجريدة، يحمل فيه على الجامعة وأساتذتها ومنهج الأدب فيها.

يقول عمر الدسوقي: “إننا نظلم الرافعي إذا أدرجناه ضمن أنصار المدرسة القديمة في النقد، تلك التي عنيت بالنقد اللغوي دون سواه، فالحق أن للرافعي آراء جديدة كل الجدة في نقد الشعر، وهو لا ينتسب في نقده لمدرسة من المدارس إنجليزية أو فرنسية، وإنما كان نقده وليد بصيرته النفاذة، وطبعه الصافي، وتأثره بالحركة التجديدية المعاصرة له بعض التأثر([90]).

مصطفي صادق الرافعي كالأديب

عرفت النهضة الأدبية المعاصرة  مصطفى صادق الرافعي هذا العَلَم الفذ مفكراً وأديباً، رائدا لأمته والرائد لايكذب أهله.وقف أمام تيار التغريب الذي ماتزال الأمة تعاني من آثاره في حياتها الاجتماعية والسياسية والثقافية.

كان الرافعي يحمل الفكرة الاسلاميه و يدافع عنها ، وهو يقارع بذلك الاتجاهات الأدبية التي تنال من  العقيدة الاسلامية واللغة العربية،ويري فيها معاول هدم و بوادر تعفن في جسم الاسلامية ۔وقد أتاحت له ثقافته الواسعة العميقة أن يشارك في معظم فنون الأدب العربي بنصيب وافر فنراه حينا كاتبا متميزا له مدرسته الخاصة مع التزامه الطابع الاسلامي والمحافظة علي قدسيه البيان القراني واللغة العربية۔

عاش الرفعي حياته الأدبية و هيأ نفسه ليكون المدافع الصلب عن حمي الاسلام واللغة العربية و دحض هذه الافكار الهدامة وقد انبري لهم بذلك بقلم حاد و ملكة أدبية واسعة ايمان غير محدود باسلامه و عروبته ، محملاً نفسه مسؤليه الرد علي اصحابها من أدباء و كتاب ، وقد عبر الرافعي عن هذا الاتجاه السامي فيه حين قال :’’والقبلة التي اتجه إلیها في الأدب انما هي النفس الشرقيه في دينها وفضائلها فلا اكتب الا ما يبقيها حية و يزيد في حياتها وسمو غايتها چم أنه يخيل إلی دائما أنني رسول لغوي ،بعثت للدفاع عن القران ولغته و بيانه‘‘([91])

ولقد كان الرافعي علي سعة من المعرفة والعلم بأن أعداء العقيدة الاسلامية والمستعمرين يستهدفون النيل من اللغة العربية لأنها لغة القران ، فهما توأمان لا يفترقان ،ولا تعتبر نهضة الشرق العربي قائمه علي أساس  وطيدة الا اذا نهض بهما الركنان الخالدان  الدين الاسلامي واللغة العربية ، وهو يوضح هذاالأمر بقوله ’’لاجرم كانت لغة الأمة هي الهدف الأول للمستعمرين ، يتحول الشعب أول ما يتحول الا من لغته ، اذ يكون من منشأ التحول من أفكاره و عواطفه واماله ، وهو اذا انقطع من نسب لغته انقطع من نسب ماضيه و ما ذلت لغة شعب الاذل ، ولا انحطت الا كان أمره في ذهاب وادبار ، ومن هذ يفرض الاجنبيه المستعمر لغته فرضا علي الأمة المستعمرة و يركبهم به‘‘([92]

يعد الرافعي في زمانه حامل لواء الأصالة في الأدب، ورافع راية البلاغة فيه، ثم إنه الرجل الذي وقف قلمه وبيانه في سبيل الدفاع عن القرآن ولغة القرآن، ولذا وجدنا الصراع يشتد بينه وبن أولئك الذين استراحوا للفكر الغربي وأقبلوا عليه حتى وإن كان حربا على أمتهم ودينهم ولغتهم.يقول الرافعي مخاطبا المستغربين :'علم الله ما فتن المغرورين من شبابنا إلا ما يأخذهم من هذه الحضارة فإن لها في زينتها ورونقها أخذة كالسحر فلا يميزون بين خيرها وشرها ولا يفرقون بين مبادئها وعواقبها ثم لا يفتنهم منها إلا ما يدعوهم إلى مايميت ويصدهم عما يحي وما يحول بينهم وبين قلوبهم فليس إلا المتابعة والتقليد .

لقد كان شيئا منكرا، كما زعم الرافعي، أن يزعم كاتب أن له الحق في أن يتجرد من دينه ليحقق مسألة من مسائل العلم، أو يناقش رأيا من الرأي في الأدب، أو يمحص رواية من الرواية في التاريخ، لم يكن أحد من كتاب العربية ليترخص لنفسه في ذلك فيجعل حقيقة من حقائق الدين في موضع الشك، أو نصا من نصوص القرآن في موضع التكذيب. ولكن طه حسين قد فعلها وترخص لنفسه، ومنح نفسه الحق في أن يقول قالة في القرآن وفي الإسلام وتاريخ الإسلام، ونقل المعركة من ميدان إلى ميدان. كان طه حسين في أول أمره عند الرافعي كاتبا يزعم أن له مذهبا جديدا في الأدب، فعاد مبتدعا له مذهب جديد في الدين والقرآن.

الفصل الثانی: أحوال الإجتماعية والثقافية والأدبية

مصطفى صادق الرافعي ابن الشيخ عبد الرازق بن سعيد بن أحمد بن عبدالقادر الرافعي، أحد أبناء الأسرة الرافعية الكريمة، التي تقاسمت الإقامة بين طرابلس الشام ومصر، شأنها في ذلك شأن كثير من الأسر العربية التي كانت تتفرق في أقطار الأمة الواحدة، حيث يعيش فرع منها في مصر وآخر في العراق، وثالث في المغرب وهكذا، والمشهور أن أول رافعي وفد إلى مصر من لبنان هو الشيخ محمد طاهر الرافعي، ثم تبعه بعد ذلك آخرون من أسرته، وكانوا جميعاً معروفين بالأدب والدين، وتنشئة صغارهم على الثقافة وحب التعلم، ومن ثم كان عدد غير قليل من «الرافعيين» المصريين يتولون أمر القضاء الشرعي، ومن هؤلاء كان الشيخ عبدالرازق بن سعيد والد الأديب الكبير مصطفى ومنهم عمه الشيخ عبداللطيف الرافعي الذي ولي الإفتاء في الإسكندرية، وهو والد كل من علم السياسة والصحافة أمين الرافعي والمؤرخ القانوني الوطني عبدالرحمن الرافعي.

هنا نقدم بعض الأحوال الاجتماعية والثقافية والأدبية :

قد بلغ التفاوت الاجتماعی والطبقی حدا کان فيه الأجانب والمرابون من إلیهود والروم وبيوتات المال الأروبية هم المتمتعين بكيرات البلاد فلا يصيب الفلاح منها و الاالعامل ما يسدد دينا أو يفي بنفقات ، أو يدفع عوامل الزمن خائنة المرض ـ([93])

ان الرافعي يسارع في تحذير الفلاح بلسان زوجه من أن يذكر ’’الخواجا‘‘ أو يرهن علي الغيطان والأقطان  ويعود فيقول في حكمه تحريم الربا منها :’’حكمة تحريم الربا في شريعتنا الاسلامية وقاية الأمة كلها في ثروتها وضياعها و مستغلاتها ، وحماية الشعب وحكامه من الاسراف والتخرق والكرم الكاذب ورد الاستعمار الاقتصادي و شل النفوذ الاجنبي ‘‘ـ

ولم تكن حال الاجتماعية مصورة علي هذا السواد بل كان هنالك بؤس من نوع اخر أدي فيه الترف إلی التخنث والرقاعة والسقوط والرقاعة والسقوط في الاثام مما كان يوذي الانسان و يوجع كل ضمير حي ويستنكر علي الوعاظ والمرشدين موافقفهم التي يغفلون فيها عن هذه الناحية الخطيرة من الاجتماع بمثل قوله :

’’ماينقص عجبي من هؤلاء العلماء الذين هم بقايا تتضاءل بجانب الأصل ، يبحثون في سنن النبي صلي الله عليه وسلم كيف كان يأكل و يشرب ويلبس و يتحدث كأنهم من الدنيا في قانون المائدة ، واداب الولائم  ورسوم المجتمعات‘‘([94])

 و هناك جوانب الاجتماع أخري لعل من أبرزها موضوع المرأة الذي كثر فيه الكلام ، المذاهب والأفكار والفلسفات ، اختلطت علي اصحابها أنفسهم، وكان لرفاعة الطهطاوي دعوة في تعليم المرأة ولقاسم أمين صيحة في تحريرها وكان لبعضهم نزوة في سفورها ، أما الرافعي فان له موقف صدق يشهد له بالحرص والأناة ويميز علي المتفترقين بسبب موضوع الجرأة حزبي لعب تظرف ان نقل معابثه ([95])

ينقد شوقي علي مصطفي صادق الرافعي و يقول :وليس معني ذلك أن الاديب ينبغي أن لا يصور نفسسه ، وانما معناه أنه ينبغي اذا صور نفسه صور من خلالها مجتمعة ، فهو لا يحلق بعيدا عنه ، بل ويمتزج به ،بحيث تصبح نفسه صورة لأفارا.

نشاطه الاجتماعي

وقد حركت هذه الحال نوازع في وجدان الأمة شرعت تعد للمقاومة ولكنها لا تبرح خفيضة الصوت محدوددة القوة أمام الاندفاع الحضاري ، ولكن لو حظ عليه اخفاقه في أن يكون له ذلك الأثر عند ارادة التغيير التي تثبت للأمة أصالتها  في الاجتماع الانساني ـ

وقد أبرز مصطفي صادق الرافعي كظورة الانغماس في الترف وأثره في التعجيل بسقوط الدول وهدم الحضارات و ذلك في رده علي  استفتاء’’الهلال ‘‘ عن نهضة الأقطار الشرقية حين قال : ’’إن من عجائب الدنيا أن قمة الحضارة الرفيعة هي بعينها مبدأ سقوط الأمم، وهذا عندنا هو السر في أن الدين الإسلامي يكره لأهله أنواع الترف والزينة والاسترخاء، ولا يرى النحت والتصوير والموسيقى والمغالاة فيها وفي الشعر إلا من المكروهات، بل قد يكون فيها ما يحرم إن وجد سبب لتحريمه؛ إذ كانت هذه الفنون في الغالب وفي الطبيعة الإنسانية هي التي تؤدي في نهايتها إلى سقوط أخلاق الأمة؛ بما تستتبعه من أسإلیب الرفاهية والضعف المتفنن، وما تحدثه للنفس من فنون اللذات والإغراق فيها والاستهتار بها؛ وما سقطت الدولة الرومانية ولا الدولة العربية إلا بكأس وامرأة ووتر، وخيال شعري يفتن في هذه الثلاثة ويزينها‘‘.([96])

الحياة الثقافية

عاش الرافعي عصرا من الحياة الثقافية والفكرية ذات الجوانب المتعددة والجبهات المترامية الاطراف والابعاد طبعت العصر بعوامل مؤثرات۔

لهذه الأسرة المورقة الفروع ينتمي مصطفي صادق وفي فنائها درج، وعلي الثقافة السائدة لأسرة أهل العلم نشأ؛ فاستمع من أبيه أول ما استمع إلی تعإلیم الدين، وجمع القرآن حفظاً وهو دون العاشرة، فلم يدخل المدرسة إلا بعدما جاوز العاشرة بسنة أو اثنتين، وفي السنة التي نال فيها الرافعي الشهادة الابتدائية وسنه يومئذٍ 17 عاماً أصابه مرض التيفوئيد فما نجا منه إلا وقد ترك في أعصابه أثراً ووقراً في أذنيه لم يزل يعاني منه حتي فقد حاسة السمع وهو بعد لم يجاوز الثلاثين. 

التعليم

قد توفرت علي دراسة نواح منها مصنفات و تإلیف حسبنا نشير إلیها بين المراجع والمصادر في كل انتقال نعني بها في هذا الشان ـ

كان التعليم ما يزال موزعا بين المدارس المحلقة بالمساجد و نظمها الأزهرية ذات الحفظ والمتون ، وبين الاخري التي سلكت علي أنظمة المدارس الحديثة ، وفيها مدارس التبشير والمذهبيات العقائدية  ـ

وقد اثر أبوه أن يلحقه بمدرسة ’’دمنهور الابتداعية‘‘  ، وظفر بشهادة الابتدائية من مدرسة المنصورة وعمره بضعة عشر عاما ـ

وكان من أشد الناس اغتباطا بدعوة الزعيم مصطفي كامل لانشاء الجامعة وقال فيها ’’انها فكرة وطنية انشق لها مكانها في الحوادث ، فجاءت كما تجئ الحادثة الوطنية قائمة علي ما قبلها ، ليقوم عليها ما بعدها ، وبذلت فها الأمة و شمرت لها وجد بها الجد ـ

ما يعوز التعليم الحديث

ولما صار له أولا د يلتقون علومهم في المدارس الحديثة ويلجأ هو إلی معاونتهم في الدرس والمراجعة وينظر في أوراقهم الامحتانية زاد حرصا علي ملاحقة بعض الأنظمة والمناهج في هذا الشأن ـ

و كان كبير العناية بالتعليم الاسلامي والمعاهد الدينية و في مقدمتها الأزهر الشريف ،و انه لفي عام 1355ه ــــــ1936 م والبلاد يومئذ تقبل علي عهد جديد في الاستقلال السياسي و تسبق الحكومة في الاداب ـ

ثم حمل الأزهر واجبات أخص أن يعمل لاقرار معني الاسلام الصحيح في المسلمين أنفسهم ، ذلك أنه وجد أن الحكومات الاسلامية لمالها من وجود سياسي و اخر مدني تعاني من ازداوجهما ، فقد بقي الأزهر وحده هو الذي يصلح لاتمام ذلك النقص الخطير في تلك الحكومات ـ

الصحافة والنثر الحديث

ولما كان العصر قد حفل بالصحافة التي توزعت الأيام والاسابيع والشهور ، فكانت اية الحضارة الجديدة و سجل التاريخ الحديث وقد هزع إلیها الرافعي في شبابه ، قال : أن الحقائق النفسية مطلقة لا قيد لها، وأن الحد لايثبت علي الحقيقة بتمامها وهي معني الكمال

واصطلح غيرنا ممن فهمو أسرار الحياة ولم يقدسوا الموت تقديس الزهاد والأمة افرعت في واجبات الموت فرطت في اغراض الحياة۔

ومن كان لأمته في مواهب قلمه لقب من ألقاب التاريخ فهو الأديب ان ماجاء في هذا الحديث يشير بوضوح إلی الصورة التي كان يريدها الرافعي للصحافة و علي أساسها كان قد حاول الكتابة فيها أ مراسلتها ، أو النشر في بعض مجلاتها و جرائدها۔

تاثره بها وتاثير فيها:

وكان للرافعي مع الصحافة تاريخ نمو فكري ، وحياة فيها الحلو وفيها المر ، وفيها الايان تداول من أمامه و تدور بالاراء والافكار هنا و هناك ، ذلك أنه ما كاد لرسل في نظيم أو نثير حتي تراءي له أن يبعث به إلی الصحف۔

ثم اخذ ’’المقتطف‘‘بيده يدله علي المعلم و ميادينه والموضوعات التي ينظم ويكتب ويدرس و يجدد ويبتكر ۔

وكانت الثريا من أوائل المجلات التي عنيت بمقالاته النقدية ولا سيما تلك التي تطهر لها شعراء العصر من توزيعه لهم في درجات۔

أحوال الأدبية

استطاع الرافعي خلال فترة حياته الأدبية التي تربو على خمسٍ وثلاثين سنة إنتاج مجموعة كبيرة ومهمة من الدواوين والكتب أصبحت علامات مميزة في تاريخ الأدب العربي.

جمع "مصطفى صادق الرافعي" أنواع الاختلاف الواردة في كتب اللغة، فحصرها في خمسة أقسام:

1- لغات منسوبة ملقبة.

2- لغات منسوبة غير ملقبة تجري في إبدال الحروف.

3- لغات من ذلك في تغير الحركات.

4- لغات غير منسوبة ولا ملقبة.

5- لغة أو لثغة في منطق العرب([97])

عندما ندرس حياة مصطفى صادق الرافعي تظهر قضيّة العروبة بارزة في فكره وأدبه ونشاطه.وتبرز كذلك الناحية الوطنية والناحية الإسلامية ، ولكن تظلّ العروبة والقوميّة لها النغمة الأقوى ، وخاصّة في مواقفه واتجاهاته.   

أما الناحية الوطنية فما قصّر الرافعي عنها،لقد كان للرافعي وجهة نظر ورأي في السياسة جعله يفقد الثقة بالأحزاب جملة . وقد عبّر عن ذلك بقول مصطفي نعمان البدري:

فَيا عُصْبة  الأحزاب رُدُّوا  حُلُومَكُـمْ    وجـرُّ على غير  الثـرى بـذيـولِ

ولكنه أشار إلى( دعوة مصطفى كامل والحزب الوطني لإقامة " الجامعة " في فكرة وطنيّة انشقّ لها مكانها في التاريخ ) ([98])

 الأناشيد التي أطلقها تحمـل الروح الوطنيّة الصافية والعاطفة الصادقة .ومنها نشيد : ’’اسلمي يا مصر‘‘ ، ونشيد’’حماة الحمى ‘‘ونشيد :’’ لكِ يا مصر السلامة ، وسلاماً يا بلدي‘‘.

 وللرافعي مجموعة دواوين أُميط اللثام عن أسمائها ولكنّها لم تَرَ النور ، وهي(أغاريد الرافعي)ومجموعاتها الثلاث ، تدور حول ترقيص الأطفال ، والأناشيد الوطنيّة ، وبعض قصائد الموشحات وله نشيد آخر : ( يا شباب العالم المحمدي ) الذي كان صرخة تدوّي بها دماء المؤمنين ، وتطير به أشلاؤهم.

وكذلك مقالاته في " الأخبار " كتبها خلْواً من التوقيع ، أو بأحرف من اسمه. وامتدت مقالاته الوطنية حرارةً وقوة ، وساهم في أنشطة وطنية صافية . ثم لوحظ عليه الانكماش ، بعد ما رأى من صراع الأحزاب وانشقاق صفوف الجماهير ، وافترق الحركة المصريّة۔

ويقول مصطفى نعمان البدري : ’’وقد حفلت حياتُه الشعريّة بموافقات طريفة في موضوعات العروبة والقومية والوطنيّة‘‘([99])

ويستشهد بالقصيدة الوطنية التي مطلعها :

بـلادي هواها  في لساني وفي دمي يمجّدهـا قلبي ويدعو لها فمـي ([100])

أنَّ الرافعي ربط مفاهيمه للإسلام ووطنيّته بالعروبة ليكون الإسلام مصدر عزَّتنا وسبب قوّتنا ومصدر نهجنا .  

نص كتاب الأستاذ الإمام

ولدنا الأديب الفاضل مصطفى أفندي صادق الرافعي، زاده الله أدبًا.

ما أثمر أدبك، ولله ما ضمِن لي قلبك، لا أقارضك ثناء بثناء، فليس ذلك شأن الآباء مع الأبناء، ولكني أعدك من خُلَّص الأولياء، وأقدم صفك على صف الأقرباء. وأسأل الله أن يجعل للحق من لسانك سيفًا يمحق الباطل، وأن يُقيمك في الأواخر مقام حَسَّان في الأوائل،والسلام.([101])

 

 

الفصل الثالث: المعارك الأدبية

لقد عاش "الرافعي" في عصر كثر فيه أدعياء التجديد ونبذ القديم، بل وقف الرافعي وحده في الميدان مدافعًا، لا يستند إلا على ربه، وما وهبه من علم، فكان يبارز الكثير منهم في ساحة الصحف والمجلات والمطبوعات برغم أنه كان يعيش في (طنطا) بعيدًا عن أضواء الصحافة والمجلات الكثيرة التي كان يسيطر عليها أمثال هؤلاء، فكان يعتمد على مرتبه البسيط الذي كان يتقاضاه من المحكمة الأهلية، التي كان يعمل بها؛ لذلك نجده لم ينافق ولم يراءِ في معاركه، لأن ضميره ودينه يفرضان عليه خوض هذه المعارك.

ثم مضى في رده يهزأ ويسخر ويتجنى ويتحدى، فطارت الشرارة الأولى للمعركة الأدبية.

كانت المعركة بين الرافعي وطه حسين في أولها خصومة بين مذهبين في الأدب وأسلوبين في الكتابة، فما لبثت من بعد أن استحالت إلى حرب شعواء يتقاذف فيها الفريقان بألفاظ الكفر والضلال والإلحاد والغفلة والتعصب والجمود، وانتقلت من ميدان الأدب واللغة إلى ميدان الدين والقرآن، ثم إلى ميدان السياسة والحكومة والبرلمان، ثم إلى ميدان القضاء. وطه حسين رجل لا يستطيع أن يفرق بين مذهبه في الأدب ومذهبه في الدين، ولا بينهما وبين مذهبه في السياسة. والرافعي رجل كان لا يفرق بين الدين والأدب، ولا يعرف شيئا منهما ينفصل عن شيء أو يتميز منه، ولكنه في السياسة كان يتحلى بفضيلة الجهل التام، فلا تعرف له رأيا في السياسة إلا حادثة اليوم بأسبابها، لا بأصحابها.

 كان الرافعي ناقداً أدبياً عنيفاً حديد اللسان والطبع لا يعرف المداراة، ولا يصطنع الأدب في نضال خصومه، وكانت فيه غيرة واعتداد بالنفس، وكان فيه حرص على اللغة كما يقول:    " من جهة الحرص على الدين إذ لا يزال منهما شيء قائم كالأساس والبناء لا منفعة بأحدهما إلا بقيامهما معاً "([102]).

ومن هنا كانت المعارك التي خاضها "الرافعي" مع "طه حسين" و"العقاد"، و"سلامة موسى" و"زكي مبارك" و"عبد الله عفيفي"، وإن كانت معاركه مع العقاد أشهر هذه المعارك، إلا أن معظمها كانت من منطلق إيمانه بمنهجه وطريقته في الإبداع والنقد، والاحتماء بالتراث العربي الأصيل.. كما أسس الرافعي بتلك المعارك منهجه النقدي من خلال أبرز كتبه، وهي:              

تحت راية القرآن

على السفور(رد فيه علي عباس محمود العقاد) ،

المعركة (رد فيه علي الدكتور طه حسين في كتابه ’’الشعر الجاهلي‘‘)

أما أبرز معارك الرافعي العلمية، التي يتعين الإشارة إلیها بشيء من التفصيل بعد أن أهال عليها الزمن تراب النسيان، بل إن الكثيرين اليوم لا يحيطون بتفاصيلها.. وبخاصة ما كان بينه وبين كل من الأديبين الراحلين الدكتور "طه حسين" والأستاذ "عباس محمود العقاد" على التوإلی.

هنا نقدم ترجمةومكانة العلمية ولأدبية الذين هجمو مع الرافعي في بيئات مختلفة منهم طه حسين، عباس محمود العقاد،سلامة موسي ، زكي مبارك و عبدالله عفيفي۔

أولا أقدم ترجمة طه حسين واثاره :

حياته وآثاره

 وُلد طه حسين سنة 1889 لأب مصري من قرية في صعيد مصر على مقربة من مدينة مغاغة الواقعة على الجانب الأيسر للنيل. وكان أبوه موظفًا صغيرًا في شركة زراعية من شركات السكر، وفقد بصره في الثالثة من عمره؛ ولكنه عُوِّض عن بصره ذكاء حادًّا وذاكرة قوية. وحفظ القرآن الكريم، ولما أتم حفظه أخذ في حفظ "مجموع المتون" وقراءة بعض الكتب والأشعار القديمة استعدادًا لدخول الأزهر، وكان قد سبقه إلیه أخ أكبر منه، فصحبه معه وهو في الثالثة عشرة.

 وطُبعت الرسالة باسم "ذكرى أبي العلاء" وهي تصور استعدادًا علميًّا واضحًا، لا بما فيها من حاسة تاريخية سليمة فقط؛ بل أيضًا بما فيها من أحكام أدبية جديدة لا تتأثر رأيًا سابقًا ولا عقيدة سابقة. وعلى الرغم من أنه لم يكن قد وسَّع محيط قراءته في الآداب الغربية وفي آثار المستشرقين نجده يبحث الضرير العربي القديم بحثًا دقيقًا يستوفي فيه حياته وبيئته وعصره وظروفه التي أحاطت به، وكوَّنت أدبه وفلسفته.([103])

حياة عباس محمود العقاد

وُلِدَ عباس محمود العقاد في يوم الجمعة الموافق (29 من شوال 1306هـ= 28 من يونيو 1889) ، ونشأ في أسرة كريمة، وتلقى تعليمه الابتدائي بمدرسة أسوان الأميرية، وحصل منها على الشهادة الابتدائية سنة (1321هـ= 1903م) وهو في الرابعة عشرة من عمره.

وفي أثناء دراسته كان يتردد مع أبيه على مجلس الشيخ أحمد الجداوي، وهو من علماء الأزهر الذين لزموا جمال الدين الأفغاني، وكان مجلسه مجلس أدب وعلم، فأحب الفتى الصغير القراءة والاطلاع، فكان مما قرأه في هذه الفترة "المُسْتَطْرَف في كل فن مستظرف" للأبشيهي، و"قصص ألف ليلة وليلة"، وديوان البهاء زهير وغيرها، وصادف هذا هوى في نفسه، ما زاد إقباله على مطالعة الكتب العربية والإفرنجية، وبدأ في نظم الشعر.

 ضاق العقاد بحياة الوظيفة وقيودها، ولم يكن له أمل في الحياة غير صناعة القلم، وهذه الصناعة ميدانها الصحافة، فاتجه إلیها، وكان أول اتصاله بها في سنة (1325هـ= 1907م) حين عمل مع العلامة محمد فريد وجدي في جريدة الدستور اليومية التي كان يصدرها، وتحمل معه أعباء التحرير والترجمة والتصحيح من العدد الأول حتى العدد الأخير، فلم يكن معهما أحد يساعدهما في التحرير.

وألَّف العقاد في مجال الدفاع عن الإسلام عدة كتب، يأتي في مقدمتها: حقائق الإسلام وأباطيل خصومه، والفلسفة القرآنية، والتفكير فريضة إسلامية، ومطلع النور، والديمقراطية في الإسلام، والإنسان في القرآن الكريم، والإسلام في القرن العشرين وما يقال عن الإسلام.

وكان أدب العقاد وفكره ميدانًا لأطروحات جامعية تناولته شاعرًا وناقدًا ومؤرخًا وكاتبًا، وأطلقت كلية اللغة العربية بالأزهر اسمه على إحدى قاعات محاضراتها، وبايعه طه حسين بإمارة الشعر بعد موت شوقي، وحافظ إبراهيم، قائلا: "ضعوا لواء الشعر في يد العقاد، وقولوا للأدباء والشعراء أسرعوا واستظلوا بهذا اللواء، فقد رفعه لكم صاحبه".

يتضح مما قدمنا من حياة العقاد أن عناصر كثيرة تُسهم في تكوين شعره وشخصيته الأدبية، فهو مصري، يستشعر أمجاد المصريين في ضميره وقلبه، وهو عربي، وقد توفر على قراءة الأمهات العربية في النثر والشعر والفلسفة والتصوف، وهو غربي التفكير، تزوَّد من آداب الغرب بكل ما استطاع من غذاء عقلي، فهو مع إيغاله في قراءة الأدب الإنجليزي يتوغل في قراءة الآداب الغربية المختلفة عن طريق اللغة الإنجليزية التي يتقنها، كما يتوغل في قراءة الآثار النقدية. ([104])

كان العقاد، عالم كبير من عوالم شعرنا الحديث، وربما كان أكثر شعرائنا أصالة في تجديده؛ لأنه تجديد يقوم على استيعاب الآداب الغربية والعربية جميعًا واستخلاص صورة جديدة للشاعر، فيها روحه وقومه وشخصيته. وكل ما يمكن أن يلاحظ عليه أنه يسرف أحيانًا في توليداته العقلية، حتى يصبح أسلوب شعره قريبًا من الأسلوب النثري؛ لكثرة ما فيه من منطق ووضوح.

حياة سلامة موسی

سلامة موسى القبطي المصري: كاتب مضطرب الاتجاه والتفكير. ولد في قرية كفر العفي بقرب الزقازيق. وتعلم بالزقازيق وباريس ولندن. ودعا إلى الفرعونية. وشارك في تأسيس حزب اشتراكي، لم يلبث أن حله الإنجليز واعتقلوه وسجنوه مدة. وجحد الديانات في شبابه وعاد إلى الكنيسة في سن الأربعين، وأصدر مجلة (المستقبل) قبل الحرب العامة الأولى وتعطلت بسبب الحرب. ([105]

زكي بن عبد السلام بن مبارك

أديب، من كبار الكتاب المعاصرين، امتاز بأسلوب خاص في كثير مما كتب، وله شعر، في بعضه جودة وتجديد، ولد في قرية (سنتريس) بمنوفية مصر، وتعلم في الأزهر، وأحرز لقب (دكتور) في الآداب، من الجامعة المصرية، واطلع على الأدب الفرنسي في فرنسة، واشتغل بالتدريس بمصر، وانتدب للعمل مدرساً في بغداد، وعاد إلى مصر، فعين مفتشاً بوزارة المعارف، ونشر مؤلفاته في فترات مختلفة، وكان في أعوامه الأخيرة يوإلی نشر فصول من مذكراته وذكرياته في فنون من الأدب والتاريخ الحديث تحت عنوان (الحديث ذو شجون) ، وأصيب بصدمة من (عربة خيل) أدت الى ارتجاج في مخه فلم يعش غير ساعات، وكانت وفاته في القاهرة، ودفن في سنتريس.

له نحو ثلاثين كتاباً، منها (النثر الفني في القرن الرابع-ط) ، و (البدائع -ط) مقالات في الأدب والإصلاح، و (حب ابن أبي ربيعة وشعره- ط) .

وورد اسمه على بعض كتبه (محمد زكي مبارك)([106]) .

هنا قد قدمنا حياتهم الأدبية و الان نقدم معارك الادبية التي جرت بين هؤلاء الاعلام۔

معركة تحت راية القرآن

كانت معركة اللغة العربية ضدَّ أعداء الأمة والدين أوسع وأرحب وأعنف من كل المعارك التي خاضها أئمة الدين ورجال الأمة على الجبهات الأخرى، بل إن أئمة اللغة كانوا الأسبق والأكثر إحساسا بتيّار الزندقة القادم من غيرهم من المشايخ وأهل الفقه، وقد أرادها هؤلاء الرجال معركة تحت راية القرآن، غير منبتّة عنه، ولعلَّ الشباب المسلم اليوم بحاجة إلى معرفة هذه المعركة ودراسة تاريخها ومعرفة رجالها من أئمة الهدى، وخصومهم من الزنادقة، لأن هذه المعركة مازالت قائمة وتستعر يوما بعد يوم، وأغلبنا في غفلة ولا يعرف شيئاً عن أدواتها وحقيقتها وتطورِّها والنتائج التي تُفضي إلیها، وميدان الأدب هو من أهم الميادين "جميعاً وأخطرها، وإن لم يكن كذلك عند كثير من النّاس ومصدر خطورته هو أنه أقدر الأدوات على تطوير الرّأي العام وعلى صوغ الجيل وتشكيله فيما يراد له من صور، وذلك لتغلغله في حياة الناس، وتسلله إلى أعماق نفوسهم عن طريق الصحافة والمسرح والسينما والإذاعات الأثيرية ثمَّ عن طريق الكتب المدرسية وما يناسبها من كتب الأطفال والشباب، والمعركة ذات شقّين: أحدهما يتصل بأسإلیب الأدب وموضوعاته والآخر يتصل بلغته.

لقد كان الرافعي كاتب الإسلام الأول في هذا العصر وفي هذه المعركة ومع أنه كان واحداً من كثيرين في هذه المعركة، ولكن الرافعي هو العلم المتميز بقوة العاطفة الهادرة وبأسلوبه الناري وقمعه الرادع وصلصلته المرنة التي لا تستمدّ رنينها من قوة الألفاظ وحدها، فالألفاظ في متناول الكاتبين جميعا، ولكنها تستمد قوتها مما وراء الألفاظ من روح غلاّبة قاهرة، هي روح البطل الجبار الذي يثق من قوته الحربيّة، ومهارته الفنية في حلبات الصّيال.

 ففي الأدب ظهرت معركة حامية الوطيس بين القديم والجديد، وهي المعركة التي بدأت على صفحات "الجريدة" لمحررها أحمد لطفي السيد، وتناظر فيها رجلان هما: مصطفى صادق ارافعي عن القديم، وطه حسين عن الجديد، ثم ما لبثت هذه المعركة أن انتقلت إلى صحيفة "السياسة الأسبوعية" لمحررها محمد حسين هيكل، وما زال لهذه المعركة ذيول في صحفنا المصرية إلى اليوم ([107]).

لما ارسل الرافعي كتابه ’’رسائل الاحزان في فلسفة الجمال والحب‘‘ كتب عنه الدكتور طه حسين في صحيفة ’’الأدب‘‘ وقال :

’’فما زاد في كتابته علي المماحكة  والسفه و ما عرف به من التحامل و زعمه أنه لم يفهم الكتاب ،وهذا الزعم خلة قديمة فيه ، لايبإلی معها أن يباهت بها نفسي ويزري علي عقله ورأيه ‘‘.

و يقول الرافعي في كتابه تحت راية القران :

وقد رددنا في ’’السياسة ‘‘علي نقده للرسائل بهذا الفصل ، وهو أول ما نشرته ’’السياسة‘‘ نقدا صريحا علي الأستاذ الفاضل ، وكانت قبل ذلك في يده كالقلعة المحصنة ، تخرج منها القذائف ولا تدخل إلیها([108]).

بدأت المعركة حينما أصدر الرافعي كتابه (تاريخ آداب العرب)، وانتقده "طه حسين"، الذي كان لا يزال طالب علم في ذلك الحين في عام 1912م بمقال نشره بالجريدة، مبديًا أنه لم يفهم من هذا الكتاب حرفًا واحدًا.

وأسرها الرافعي في نفسه، وإن كان "طه حسين" قد عاد بعد ذلك عام 1926م فقال عن ذات الكتاب: إن "الرافعي" قد فطن في كتابه لما يمكن أن يكون عليه تأثير القصص وانتحال الشعر عند القدماء، كما فطن لأشياء أخرى قيمة"!

وبدأت المعركة في الاحتدام حينما أصدر الرافعي كتابه (رسائل الأحزان) واستقبله "طه حسين" بتقديم شديد، انتهى فيه للقول: "إن كل جملة من هذا الكتاب تبعث في نفسي شعورًا مؤلمًا"!

ورد عليه "الرافعي" بجريدة "السياسي "ساخرًا بقوله: "لقد كتبت رسائل الأحزان في ستة وعشرين يومًا، فاكتب أنت مثلها في ستة وعشرين شهرًا، وأنت فارغ لهذا العمل، وأنا مشغول بأعمال كثيرة لا تدع لي من النشاط ولا من الوقت إلا قليلاً .. هأنذا أتحداك أن تأتي بمثلها أو بفصل من مثلها".

واشتدت المعركة وزادت عنفًا حينما أصدر الدكتور "طه حسين" كتابه "الشعر الجاهلي"، وأحدث الضجة المعروفة، وانبرى "الرافعي" يندد بما جاء بهذا الكتاب وفنده فصلاً فصلاً، حتى اجتمع له من ذلك كله كتاب أطلق عليه عنوان (تحت راية القرآن)، الذي كان حديث الناس في تلك الفترة (عام 1926م. 

تمصير اللغة العربية: بين مصطفى صادق الرافعي ولطفي السيد

هذه معركة من أخطر المعارك التي واجهت اللغة العربية، ومن أقدم المعارك الأدبية، فقد حمل لطفي السيد عام 1913 في الجريدة لواء الدعوة إلى تمصير اللغة العربية فكتب أكثر من سبع مقالات في خلال شهري أبريل ومايو 1913 وكتب عدد من تلاميذه مقالات متعددة كهيكل وطه حسين وغيرهما([109]).

خصومته مع طه حسين

في البداية يُقدم نبذة عن حياة طه حسين لكي نتميز مكانته بين الأدباء والمعاصرين الذين هجا معهم معاركه بين الأدب۔

هنا نقدم نبذة عن حياة طه حسين و مكانته العلمية:

كاتب من الطراز الأول، جمع في أسلوبه بين موضوعية العلم وذاتية الفن. ويمتاز بتلون العبارة، وتنويع الصور والأفكار، مما ينفي الملل عن القارئ. برز نشاطه الأدبي منذ تولي تحرير الصفحة الأدبية بجريدة "السياسة" الأسبوعية فكان ينشر مقالًا ممتعًا في الشعر كل يوم أربعاء، ويلخص قصة من أدب الغرب كل يوم أحد، ويناقشها مناقشة أدبية، وكان محصول ذلك بحوثًا مبتكرة في طبيعة الأدب العربي، فثار أعلام الكتابة عليه، وبدأ احتدام الصراع بين زعماء القديم بقيادة الرافعي، وأنصار الجديد بزعامته، فكان بداية بعث أدبي جديد.([110])

 على الرغم من أن أسلوب طه حسين يحفل برنين الألفاظ، وجرس العبارات أكثر من الفكرة المدروسة، والمعنى العميق فقد كان شيئًا جديدًا، متميزًا في الكتابة العربية الحديثة، فيه من لغة العرب البيان والإشراق واللمح، ومن الفرنسية الوضوح والإبانة والدقة.

كذلك كثرت المقالات وتعددت الكتب التي ترد على آراء طه حسين في كتابيه "حديث الأربعاء" و"في الشعر الجاهلي"، وقد حظي كتابه "في الشعر الجاهلي" بصفة خاصة، بعدة كتب ألفها أصحابها في الرد عليه، وأهم هذه الكتب: "تحت رآية القرآن" للرافعي، و"نقد كتاب الشعر الجاهلي" لمحمد فريد وجدي، و"نقض كتاب في الشعر الجاهلي" للخضر حسين، و"النقد التحليلي لكتاب في الأدب الجاهلي" للدكتور محمد الغمراوي.

كانت هذه الخصومة بسبب كتاب طه حسين " في الشعر الجاهلي " الذي ضمّنه رأيه في أن جُلّ الشعر الجاهلي منحول، وهي مقولة خطيرة تنبه لها الرافعي؛ فحمل عليه حملة شعواء في الصحافة المصرية واستعدى  عليه الحكومة والقانون وعلماء الدين، وطلب منهم أن يأخذوا على يده وأن يمنعوه من أن تشيع بدعته بين طلاب الجامعة، وترادفت مقالاته عاصفة مهتاجة تفور بالغيظ والحميّة الدينية والعصبيّة للإسلام والعرب، كأن فيها معنى من معاني الدم، حتى كادت هذه الحملة تذهب بـ " طه " وشيعته؛ إذ وقف معقود اللسان والقلم أمام قوة قلم الرافعي وحجته البالغة، وقد أسرّ " طه " هذا الموقف للرافعي، فما سنحت له سانحة ينال بها من الرافعي إلا استغلها كي يرد له الصاع صاعين.

الخصومة بين القديم والجديد في الأدب؛ طه حسين

فعلى صفحات "الجريدة" تناظر مصطفى صادق الرافعي عن الأدب القديم، وطه حسين عن الأدب الجديد، ثم ما لبثت هذه المعركة أن انتقلت إلى "السياسة الإسبوعية" ولعلها مستمرةٌ إلى يومنا هذا۔([111])

الحق أن ميدان هذه الخصومة أوسع من مجلة الهلال وأن أبطال هذه الخصومة أكثر من الأستاذين سلامة موسى ومصطفى الرافعي. إن مصدر هذه الخصومة إنما هي صحيفة الأدب في السياسة حول رسالة "أسلوب في العتب" ذهب فيها الرافعي مذهب المتكلفين من بعض الكتاب القدماء ثم إن المعركة تحولت إلى معارك ثلاث:

1- بين طه حسين والرافعي: السياسة.

2- بين السكاكيني وشكيب أرسلان: السياسة.

3- بين الرافعي وسلامة موسى: الهلال.

للأستاذ الرافعي في فصله هذا آراء محتاجة إلى شيء من المناقشة. ومنها ما كان يحتاج إلى شيء من المراجعة قبل أن ينشر ويعلن إلى الناس، انظر إلیه مثلا يزعم أن المذهب الجديد في الأدب ليس في حقيقة الأمر إلا نتيجة لضعف في اللغة والأدب العربي وقوة في اللغة والأدب الأجنبي. وأن الذين يزعمون أنهم من أنصار المذهب الجديد إنما هم قوم ضيعوا حظهم من لغة العرب وآدابهم وأخذوا بنصيب موفور في لغات الإفرنج وآدابهم.([112])

ففي الأدب ظهرت معركة حامية الوطيس بين القديم والجديد، وهي المعركة التي بدأت على صفحات "الجريدة" لمحررها أحمد لطفي السيد، وتناظر فيها رجلان هما: مصطفى صادق الرافعي عن القديم، وطه حسين عن الجديد، ثم ما لبثت هذه المعركة أن انتقلت إلى صحيفة "السياسة الأسبوعية" لمحررها محمد حسين هيكل، وما زال لهذه المعركة ذيول في صحفنا المصرية إلى اليوم.([113])

نعتقد أن الأستاذ الرافعي يسرف في هذا الحكم. ولعل مصدر إسرافه في هذا الحكم، إن صحت نظريته أنه أخطأ فهم ما يكتب أنصار المذاهب الغربية وهو إنما أخطأ الفهم؛ لأنه أخطأ الذوق، أو هو إنما أخطأ الذوق؛ لأنه أخطأ الفهم.

ونظن أن للأستاذ الرافعي حظًا من الإنصاف وأنه يرى هنا أن بعض أنصار المذهب الجديد أو الذين يسمون أنصار المذهب الجديد قد أخذوا من اللغة العربية وآدابها بحظ لا بأس به وإن قوتهم في اللغة الأجنبية وآدابها لم تحملهم على أن يضيعوا حظهم في اللغة العربية وآدابها.

الأسلوب والمضمون؛ بين الرافعي وسلامة موسى وطه حسين:

كانت معركة "المضمون" في الأدب من أبرز معارك الأدب بين معسكر المحافظين والمجددين، وقد تمثلت هذه المعركة في عدة مساجلات، بدأت بهذه المساجلة عام 1925 في الهلال عندما كتب سلامة موسى عن أديب الفقاقيع يقصد أدب مصطفى صادق الرافعي. وقد دخل الرافعي المعركة وأعلن وجهة نظر، ثم كتب طه مهاجما للرافعي ولكن الرافعي لم يلبث أن تحول عن أسلوبه التقليدي إلى أسلوب وسط فيه محاسن الأسلوب القديم مع العناية بالمضمون.

معركة الشعر الجاهلي

وقد هاجم الرافعي طه حسين في بضعة وعشرين مقالة نارية، ولم يجب طه على واحدة منها، فقد كان المتفق عليه أن يترك الدكتور طه "العاصفة تمر" ولا شك أن المعركة بين الرافعي وطه حسين هي معركة خلاف في الرأي وأسلوب الفكر ومنهج الفهم للأدب والدين واللغة، وأن الرافعي كان بالنسبة للمجددين سيفا مصلتا يحسب له ألف حساب.([114])

 وقد صور الرافعي خلافه مع طه حسين في عديد من رسائله إلى الشيخ محمود أبو رية التي جمعها في كتابه "رسائل الرافعي" ولكنه كان منصفا فهو يقول:

"كانت محاضراته مجموعة متناقضات وإن كانت الجامعة حشدت لها حشدا عظيمًا من المدعوين والرجل ميسر وخطه مقبول. ويقول:

أما طه حسين فليس بالضعيف الذي تتوهمه وهو في أشياء كثيرة حقيق بالإعجاب كما هو في غيرها حقيق باللعنة.([115])

وقد وصف كتاب هامش السيرة بأنه "تهكم صريح"([116]).

معركة مفاهيم الأدب

أما معركة "مفاهيم الأدب" بدأت حول الأسلوب عام 1923 بين الرافعي وطه حسين ثم تناولت غاية الأدب، واتصلت بالأسلوب والمضمون، والفن للفن والفن للمجتمع، ومذهبي الأدب بين الرافعي والعقاد، والتراث القديم. والنقد والتتريظ، ومعارك مفاهيم اللغة.

وقد قامت هذه المعارك على أساس مهاجمة الأسلوب القديم المغرق في السجع والمقدمات والألفاظ القاموسية، وحول غلبة العناية باللفظ على العناية بالمضمون.

وقد وقف شكيب أرسلان والرافعي في صف الدفاع ووقف سلامة موسى وطه حسين في صف الهجوم.([117])

معركة الأسلوب والمضمون؛ بين الرافعي وسلامة موسى وطه حسين

كانت معركة "المضمون" في الأدب من أبرز معارك الأدب بين معسكر المحافظين والمجددين، وقد تمثلت هذه المعركة في عدة مساجلات، بدأت بهذه المساجلة عام 1925 في الهلال عندما كتب سلامة موسى عن أديب الفقاقيع يقصد أدب مصطفى صادق الرافعي. وقد دخل الرافعي المعركة وأعلن وجهة نظر، ثم كتب طه مهاجما للرافعي ولكن الرافعي لم يلبث أن تحول عن أسلوبه التقليدي إلى أسلوب وسط فيه محاسن الأسلوب القديم مع العناية بالمضمون.([118])

خصومته مع العقاد

وكان السبب فيها كتاب الرافعي " إعجاز القرآن والبلاغة القرآنية " إذ كان عباس محمود العقاد يرى رأياً مخالفاً لما يرى الرافعي، وقد نشبت بينهما لذلك خصومة شديدة تجاوزت ميدانها الذي بدأت فيه، ومحورها الذي كانت تدور عليه إلى ميادين أخرى؛ جعلت كلا الأديبين الكبيرين ينسى مكانه، ويغفل أدبه ليلغو في عرض صاحبه، ويأكل لحمه من غير أن يرى ذلك مَعابة عليه، وكان البادئ الرافعي في مقالاته " على السفود " التي جمعها له في كتاب صديقه إسماعيل مظهر، وتوقفت المعركة بينهما فترة وجيزة ما لبثت أن اشتعل أوارها مرة أخرى عندما نشر العقاد ديوانه " وحي الأربعين " فكتب الرافعي نقداً لديوانه، تلقفه العقاد بالسخرية والتهكم والشتم والسباب، ولم تزل بينهما الخصومات الأدبية حتى توفي الرافعي رحمه الله.

وتبدأ معركة الرافعي مع العقاد منذ صدور "الديوان" للعقاد والمازني وقد تناول العقاد الرافعي وأدبه بالنقد ثم استؤنفت معركة الرافعي مع العقاد بعد صدور كتاب الرافعي "إعجاز القرآن" الذي أثنى عليه سعد زغلول ووصفه بأنه "كأنه تنزيل من التنزيل أو قبس من نور الذكر الحكيم".([119]) هذه العبارة من اختراع الرافعي وليست من يراع الزعيم "سعد زغلول"!

بين مصطفى صادق الرافعي وعباس محمود العقاد

هذه إحدى معارك الصراع بين المدرسة القديمة والمدرسة الحديثة، بين علمين من أكبر أعلامها، بين الرافعي والعقاد، كانت الخصومة بينهما قديمة، لها جذور بعيدة المدى منذ إصدار كتاب "إعجاز القرآن" وقرظة سعد زغلول وغضب العقاد، واتهم الرافعي بأنه هو كاتب التقريظ واتهم سعد زغلول، ونامت الخصومة ثمة، ثم تجددت.

من الرافعي إلى العقاد

ولم ير في شعر أدبائنا ما يستوفي أوصاف الشعر الوسط كنظم صاحب وحي الأربعين عباس محمود العقاد فله فلسفة وفكر وطريقة وله منزع بعيد ومرمى قصي وله اطلاع على شعر الأمم وآدابها، وفيه رغبة شديدة إلى أن يكون مبدعا مجددًا، وقد ارتهن نفسه بملامسة صناعة الأدب وفرغ لها فراغ من يعيش لما يعيش به وانغمس منها انغماس السمكة في بحرها أو مستنقعها۔

ترجع المعركة بين الرافعي والعقاد إلى أيام الكتابة في مجلة "البيان" 1911، 1912، ثم امتدت خلال حياة الرافعي حتى توفي 1937 على النحو الذي تكشف عنه وقائع المعارك كما أوردناها، ثم بدأت المعركة بين أنصار الرافعي وأنصار العقاد بعد وفاته، اشترك فيها من جانب الرافعي الأساتذة: سعيد العريان ومحمود شاكر، ومن جانب العقاد: سيد قطب، وحسم المعركة الأستاذ الغمراوي.

معركة بين أنصار الرافعي وأنصار العقاد

واستمرت المعركة ثمانية شهور من "25 أبريل إلى 14 نوفمبر 1928".

وقد صور سعيد العريان موقف الرافعي من الحياة الفكرية في عصره فقال: "إنه هو الذي ألب على نفسه هذه العداوات حيا وميتا".

"لقد كان ناقدًا عنيفًا حديد اللسان لا يعرف المداراة ولا يصطنع الأدب في نضال خصومه، وكان فيه غيرة واعتداد بالنفس، وكان فيه حرص على اللغة من جهة الحرص على الدين؛ إذ لا يزال منها شيء قائم كالإحساس. والبناء لا منفعة بقيامهما إنها منفعتهما معا وكان يؤمن بأنك لن تجد ذا خلة خبيثة لهذا الدين إلا وجدت لها مثلها في اللغة".([120])  ولقد جرد أنصار العقاد "الرافعي" من النفس والإنسانية والعقيدة الأدبية وقال محمد أحمد الغمراوي: "لو غير صاحب تلك المقالات خطر له في الرافعي مثل هذا الرأي المسرف من أنه ليس للرافعي إنسانية ولا طبع ولا نفس ولا ذوق ولا ذهن ولا حياة إلى آخر ما شاءت له بغضاؤه أن ينفي عن الرافعي، لو غيره خطر له هذا في الرافعي لوقف من هذا الخاطر موقف المتهم على أقل تقدير، إذ غير معقول أن يبلغ الرافعي رحمه الله ما بلغ من حسن السمعة وبعد الصيت في عالم الأدب العربي ثم لا يكون له من كل تلك الصفات حظ يفسر ما نال من صيت حسن وتقدير كبير" ([121])

معارك الرافعي مع زكي مبارك

وكان الخلاف بين الرافعي وزكي مبارك حول "أوراق الورد" حيث أعلن الرافعي أن كتابة فن جديد في الأدب العربي وأنه "سد المكان الخإلی۔رسائل الحب في اللغة العربية؛ زكي مبارك كان الأستاذ محمد علي غريب استكثر على الأستاذ مصطفى الرافعي أن ينكر خلو اللغة العربية من رسائل الحب وقال قد يكون هذا الرأي صائبا فلم ينته إلینا مؤلف كهذا إلا ما تفرق بين أسفار الأدب من بعض الرسائل مما جرى بين المحبين.وقرأت رد الأستاذ الرافعي ونقضه هذه الجملة إذ قال: فأين هذه الرسائل التي تشتت في أسفار الأدب؟ إنها كلمة تكتب في دقيقة ولكن برهانها لا يجيء إلا من عمر طويل يفرق على مكاتب الدنيا في مشارق الأرض ومغاربها.([122])

بين الرافعي وسلامة موسى

مصطفى الرافعي يدافع عن المذهب القديم ويقول بأفضلية الأسإلیب العربية القديمة على أسإلیبنا الراقية وهو يجيد الصنعة أيما إجادة ولكنه لا يعنى بالفن فإذا كتب اتسعت عباراته وانتظمت ألفاظه فأتى بالعجب ولكن الحقيقة "أي الجمال" لا تشغله في نظمه أو نثره، ثم هو لا يكاد يؤمن بالعلم بل لا تجد له أثرا في جميع كتاباته والقطعة التي انتخبناها منه تشهد بذلك ويمتاز شعر الرافعي بقوة الطبيعة وحسن النظم ولكن خياله مع ذلك عربي تقليدي تعرف ذلك من تشبيهه صفحة البدر بصفحة الأمرد وضوء الفجر برونق الصارم، هذا إلى خلوه من مثل أعلى يتوخاه. إن أهل المذهب القديم يهملون العلم لأن العلوم تتعارض ومعتقدات العرب.([123](

رد الرافعي

أرادوا بالمذاهب الجديد أن يكتب الكاتب في العربية ينصرف إلى المعنى والغرض تاركا للغة وشأنها، متعسفا فيها آخذًا ما يتفق كما ينعق، ما يجري على قلمه كما يجري تعبيرًا ذلك الممتاز من يرى أن غلافا من عظام رأسه وأن عظام رأسه كعظام رجله.

وأن اللغة أداة ولا بأس بالأداة ما اتفق منها والواقع أن هذه العربية لغة دين قائم على أصل خالد هو القرآن الكريم وقد أجمع الأولون والآخرون على إعجازه بفصاحته إلا من لا حفل به من زنديق يتجاهل أو جاهل يتزندق.([124])

 

 

الفصل الرابع :انتاجه الأدبي والفكري  وسمات أدبه

فمصطلح العصر الحديث هنا يوحي بإشارة ضمنية إلى فكرة’’الحداثة من حيث كونها تملأ هذا العصر بمعطياتها على سائر الصعد.

يبتدئ هذا العصر من تاريخ دخول الفرنسيين مصر، بقيادة نابليون بونابرت في سنة "1213هـ 1798م" وقد كان الفرنسيون بغزوهم مصر أول من هدى المصريين إلى العلم الحديث الذي بهرهم نوره، وراعهم غريبه، وأوّل من لفت أنظارهم إلى نوع جديد من العلم، لم يألفوه من قبل، ولم يكونوا على عهد به، فالحملة الفرنسية بهذه المثابة حدث جديد، وتطور خطير، يصح اعتباره فاتحة عصر جديد([125]).

ولا يذهب عن مؤرخ الأدب في العصر الحديث أن يضيف أكبر الفضل في انبعاث اللغة العربية واتصالها بالعلم والفن الحديثين إلى هذه المدرسة([126]).

أما بالنسبة إلی الشعر في هذا العصر قد اتسع بمراحل مختلفة كماقيل :

’’مر بالشعر في هذا العصر ثلاثة أطوار، أو مراحل كان في كل منها مغايرًا للأخرى في ظواهرها تبعا لعوامل النشاط والخمود التي تهيأ له۔

فالطور الأول من ولاية "محمد علي باشا" سنة 1805 إلى ولاية "إسماعيل باشا" سنة 1863م،

أما الطور الثاني من ولاية "إسماعيل باشا" إلى الاحتلال الإنكليزي سنة 1882م،

والطور الثالث من الاحتلال الإنكليزي إلى يومنا هذا‘‘.([127])

وبالنسبة إلی النثر يصف شوقي عن النثر في العصر الحديث :

استطاعت مصر في العصر الحديث، أن تنهض نهضة واسعة في النثر العربي، وقد بدأت هذه النهضة في القرن التاسع عشر، منذ أرسلت البعوث إلى أوربا، فإن هذه البعوث لما رجعت، أخذت تفكر في إدخال بعض ما تعرفت عليه من الآداب الأوربية، فظهرت فكرة الترجمة، وبدأت هذه الترجمة مقيدة، على نحو ما نعرف عند رفاعة الطهطاوي في ترجمته "تليماك"، فإن من يرجع إلى هذه الترجمة يجدها مقيدة بالسجع المتكرر القوافي، كما يجدها مقيدة بالبديع، وهو أسلوب لا يختلف كثيرًا عما ألفناه في العصر الأيوبي، وما بعده من أسإلیب.([128])

وكذلك تسارع فيه إنشاء المدارس الوطنية، وتوالى صدور المجلات والصحف وتأسيس المطابع، وتزايدت ترجمات الكتب العلمية والأدبية الأجنبية إلى اللغة العربية، ونشر كثير من كتب التراث، وتألفت الجمعيات والنوادي الأدبية، وأنشئت المكتبات العامة والمسارح ومجامع اللغة العربية.. كما تزايد إنشاء الجامعات ومعاهد البحث ومؤسساته المختلفة إضافة إلى المراكز الثقافية وسائر مؤسسات من إذاعات ومحطات بث تلفزيوني.

 وفي العصر الحديث برز النثر العلمي على يد رجال الفكر عبد إنشاء الجامعة المصرية 1908 ونشاط الصحافة، واهتمام الباحثين بتطبيق منطق أرسطو، ومنهج بيكون، وفلسفة ديكارت في أبحاثهم، مما بعث نشاط الكتابة العلمية في مجالات: العلوم الطبيعية والفلسفية والاجتماعية والإنسانية، وعلوم الدين واللغة والأدب([129]).

 ولا يكاد قطر عربي يخلو اليوم من وزارة للثقافة.. وكل ذلك يساعد بصورة مباشرة أو غير مباشرة في ارتقاء الإنتاج الأدبي العربي المعاصر وتعميم إيصاله إلى جماهير المثقفين والمتعلمين بمختلف السبل والوسائل المعتمدة في بقية أنحاء العالم.

يمكن إجمال بواعث هذه النهضة في ما يلي:

البعثات العلمية

يأتي هذا الباعث في المقدمة. وقد بدأت فاعليته بعد انتشار الثقافتين الفرنسية والإنكليزية في المدارس والمعاهد التي أنشئت في الشام ومصر وتخرج فيها المعلمون الذين بعث بعضهم إلى فرنسة لإتمام تحصيلهم في مختلف العلوم. وكانت أولى البعثات عام 1826 في عهد محمد علي باشا، إذ اختير أربعة وأربعون طالباً من طلبة الأزهر، رأسهم رجل النهضة الكبير رفاعة الطهطاوي (1801-1873م). وقد عمل هؤلاء المبعوثون بعد عودتهم، وكل في نطاق اختصاصه، في ميداني الترجمة والتعليم.

ثم توالت البعثات فيما بعد، فشملت عدداً من البلدان الأمريكية والأوربية.

الترجمة

كان لترجمة الكتب الفرنسية والإنكليزية إلى العربية أثر كبير في النهضة الأدبية. وقد بدأت حركة الترجمة في بلاد الشام على يد بعض رجال البعثات الدينية، إذ ترجم هؤلاء بعض الكتب التي احتاجوا إلیها في التدريس. لكن حركة الترجمة لم تقو وتتنوع إلا بعد عودة رجال البعثة المصرية الأولى الذين بدؤوا بترجمة بعض الكتب العلمية. ويعود الفضل الأكبر في تنشيط هذه الحركة إلى الطهطاوي الذي أنشأ «مدرسة الألسن» عام 1835. وقد عنيت هذه المدرسة بتعليم اللغات الأجنبية المختلفة، وترجم خريجوها مئات الكتب والقصص والمسرحيات. وشارك السوريون واللبنانيون بقوة في تلك الحركة، ولاسيما بعد أن هاجر بعضهم إلى مصر، مثل: نجيب الحداد، وبشارة شديد، وطانيوس عبده...حتى بلغ عدد الكتب المترجمة نحواً من ألفي رسالة وكتاب. ثم اتسع نطاق الترجمة بازدياد مطرد وما زال يتسع حتى اليوم إذ تشمل المترجمات أهم روائع الأدب العالمي في سائر اللغات الأجنبية الحية. الطباعة: 

أنشئت أول مطبعة بحروف عربية في إيطإلیة عام 1514م، وطبع فيها بعض الكتب الدينية كسفر الزبور، ثم طبع القرآن في البندقية.

أما في البلاد العربية فأول مطبعة أنشئت فيها كانت في حلب سنة 1706م، ثم تلتها مطبعة الشوير بلبنان سنة 1734م ثم أنشئت مطبعة في بيروت سنة 1751م. ولما قام نابليون بحملته على مصر سنة 1798م أحضر معه مطبعة مزودة بحروف عربية ولاتينية، وقد استخدمها لطبع المنشورات والصحف الخاصة بالحملة. وبعد انتهاء الغزو جعل محمد علي تلك المطبعة نواة للمطبعة الأهلية التي أسسها عام 1821م والتي عرفت فيما بعد باسم «مطبعة بولاق»، وطبعت فيها الكتب الدراسية والكتب المؤلفة والمترجمة. وبعد أربعين سنة بدئ بإنشاء مطابع أهلية كان أقدمها مطبعة «وادي النيل» ومطبعة «جمعية المعارف».كذلك تأسست في بيروت «المطبعة الأمريكية» عام 1834، ثم تلتها «مطبعة الآباء إلیسوعيين» عام 1848، ثم «مطبعة الجوائب» التي أنشأها أحمد فارس شدياق [ر] في الآستانة عام 1861. وقد نشرت كتب كثيرة في هذه المطابع، وبينها عدد من المعاجم العربية القديمة وطائفة من كتب الأدب ودواوين الشعر القديم إلى جانب أمهات كتب التاريخ.وقد تزايد عدد المطابع منذ مطلع القرن العشرين وتطور نوعها وأصبح أكثرها إلیاً حتى لم يخل بلد عربي من مطبعة رافقت تكاثر عدد الصحف والمجلات.

حركة إحياء التراث

كان من أثر الاتصال بالغرب، وابتداء الاستقاء من ثقافته، وما رافق ذلك من استشراق أو استغراب، أن تنبهت العقول إلى ضرورة إحياء التراث العربي ونشره. وقد أنشا علي مبارك جمعية لنشر المخطوطات العربية القديمة برئاسة الطهطاوي. وفي عام 1898 تألفت جمعية أخرى للعناية بنشر كتب التراث، وكان من أعضائها أحمد تيمور وحسن عاصم وعلي بهجت. وقد أفادت حركة إحياء التراث مما سبقها إلیه المستشرقون في ما نشروه من كتب التراث العربي، إذ عرف عن هؤلاء منهجهم العلمي في تحقيق المخطوطات، ومراجعة أصولها، وموازنة بعضها ببعضها الآخر، كما إنهم أخرجوا ما نشروه في طبعات أنيقة مزودة بالتعليقات المفيدة والفهارس الدقيقة.ولايزال نشاط حركة إحياء التراث في تصاعد مستمر بفضل ازدياد الوعي بضرورة معرفة التراث معرفة صحيحة وشاملة، وتمثل خير ما فيه تمثلاً موضوعياً مفيداً.

الصحافة

الصحافة من أسس النهضة الأدبية الحديثة، وعامل من أهم العوامل في مقاومته اللغة العامية، وانتشار اللغة الفصحى، ومجال واسع لنشر الأبحاث الأدبية، والعلمية، والسياسية، والتاريخية، والاجتماعية، ولقد تدرجت في نموّها من عصر محمد علي حتى اليوم.([130])

كان لإنشاء المطابع، وانتشار الطباعة أثر واضح في ظهور الصحافة. ومن المتفق عليه أن الصحافة العربية ظهرت في مصر قبل غيرها من البلاد العربية، وكان ذلك في النصف الأول من القرن التاسع عشر، فقد أنشأ نابليون عام 1800م ثم أصدر جريدة «الوقائع المصرية» سنة 1828م، باللغتين العربية والتركية ثم اقتصرت على اللغة العربية.

يعتبر عبد المجيد الشرنوبي إلى جانب علمه الجم، ومؤلفاته الضخمة، أحد دعائم النهضة الأدبية في العصر الحاضر، فقد أسهم في بناء المجد الصحفي الأول في النهضة الحديثة، "صحيفة الوقائع المصرية"، إذ كان ذلك أول أعماله التي قام بها مع الإمام محمد عبده، وقد أتاح له عمله في مكتبة الأزهر الاطلاع على الأسفار الأدبية، وأن يتأثر بأسإلیبها، وينهج نهج من حفلة المكتبة بتراثهم الأدبي الخالد، فنضجب بذلك موهبته، وأشرق أسلوبه، ونمت ملكته في الشعر، وأغرم بالمطارحات والمعارضات، حتى ترك لنا من ذلك ثروة تجعله من طلائع الأدباء الشعراء.([131])

وقد تداول رئاسة تحريرها بعض كبار الأدباء منهم الطهطاوي وحسن العطار والشدياق ومحمد عبده  وعبد الكريم سلمان.

وهي أقدم و أولى هذه الصحف المصرية، وهي مجلةٌ طبيةٌ أصدرها الدكتوران: محمد علي البقلي، وإبراهيم الدسوقي، وكانت شهرية عربية اللغة، وهذا يدلنا على عظم المحاولة التي ان يبذلها أطباء البعثات العلمية في تذليل اللغة العربية للمصطلحات العلمية، والاستعانة بالكتب القديمة، وكان ظهورها سنة 1865.([132])

بيد أن أولى المجلات التي كانت بحق معبرًا للثقافة الأدبية الأجنبية، وكانت الميدان الأول الذي اشتهرت فيه الأقلام الجديدة التي تزعمت النهضة الأدبية فيما يعد فهي مجلة "البيان" لعبد الرحمن البرقوقي "ظهر العدد الأول منها في 24 من أغسطس سنة 1911"، كانت البيان أول من فطن إلى الروح الجديدة التي تتطلبها الملة العربية في الأدب، الروح التي تجمع بين الثقافتين العربية والغربية، كتب فيها العقاد وشكري والمازني وطه حسين والرافعي وهيكل، وهم بعد في خطواتهم الأولى نحو الزعامة الأدبية، ويقول البرقوقي في أول سنتها الثانية بعد بين أبواب المجلة، وأهمية النقل والتعريب عن اللغات الأجنبية: "لأننا أمة من الأمم تستمد من التاريخ الإنساني لتعمر مكانها من هذا التاريخ".([133])

فظهرت "الجنان" و"الزهرة" و"المهماز" و"النحلة" سنة 1870، و"النجاح" سنة 1871، و"المقتطف" سنة 1876، و"المشكاة" سنة 1878، و"الجامعة"، سنة 1894، و"المشرق" سنة 1898، وسواها من مجلات القرن الماضي. وقد كانت "الجنان" بحق رائد المجلات العربية قاطبة؛ إذ إنها وضعت الأسس التي سارت عليها تلك المجلات فيما بعد، فالمقتطف، فيما يبدو لي، اقتبس خطتها ووسعها وتصرف فيها متعمدا على ذلك النبع الثر من ثقافة منشئية.([134])

المدارس والجامعات

أنشأ الخديو شتى المدارس التي كان لها فضل النهضة الأدبية والفكرية في عصره وفي عصور خلفائه من بعده، فشهدت مصر لأول مرة مدرسة الهندسة في سنة 1866 وعوض عن مدرسة الحقوق بمدرسة الألسن التي لم يستسغ وجودها عباس الأول وشغل ديوان المدارس بأمر اللغة العربية، كما لاحظ الخديوي نفسه إهمالها في مصالح الحكومة، فرأى من ناحيته أن يرد لها اعتبارها فأمر بأن "المكاتبات التي تتداول من الآن فصاعدًا بكافة الدواوين والمصالح الميرية التي بداخل جهات الحكومة تكون باللغة العربية". ([135])

وفي عهد الخديوي إسماعيل أنشئت مدارس الحقوق والمعلمين والعلوم والفنون والصناعات ودار العلوم العإلیة. وهكذا تدرج التعليم من الابتدائي إلى الثانوي، ولاسيما بعد عودة رجال البعثة الأولى من فرنسة، ثم عني المسؤولون بالتعليم العإلی فأنشئت الجامعة المصرية في القاهرة وتوالى بعد ذلك إنشاء الجامعات الأخرى في القاهرة والإسكندرية وأسيوط وغيرها.

الجمعيات الأدبية

أسست في العصر الحديث جمعيات كثيرة كان لها دور بارز في إذكاء روح النهضة. ومن هذه الجمعيات ما هو أدبي، وما هو علمي، وما هو سياسي. والمعول عليه هنا الأدبية، وإن أسهمت الجمعيات الأخرى إسهاماً غير مباشر في النهضة الأدبية.

المجامع اللغوية

ساعدت هذه المجامع على خدمة اللغة والأدب والتراث العربي مساعدة طيبة. وأقدمها هو ’’المجمع العلمي العربي‘‘ تأسس في دمشق عام 1919، بجهود محمد كرد علي ورئاسته. وقد عني هذا المجمع بوضع المصطلحات العلمية الحديثة، وتصحيح الأخطاء اللغوية الشائعة، ونشر كتب التراث، وضم أعضاء دائمين من سورية وأعضاء مراسلين من البلاد العربية الأخرى ومن المستعربين ومنذ عام 1958 غدا اسمه «مجمع اللغة العربية».

المكتبات

لقد كانت مكتبات الصحفي تتكون من صفوف فوق صفوف وأكوام فوق أكوام من المعلومات المرصوصة في دوإلیب مليئة بالملفات والمظاريف المكتظة بالقصاصات والصور والأكلشيهات الخاصة بالموضوعات والشخصيات، ومعظمها قديمة وغير مفهرسة فهرسة جيدة.([136])

من المكتبات المهمة ما هو عام وما هو خاص. وأشهر هذه المكتبات وأقدمها «دار الكتب الخديوية» التي أنشأها علي مبارك في القاهرة عام 1870، وتمتاز هذه المكتبات باحتوائها الكتب الأجنبية التي ألفها المستشرقون بالفرنسية والإنكليزية والألمانية وغيرها من اللغات.

أسس المكتبة الشرقية في الجامعة إلیسوعية في بيروت، للآباء إلیسوعيين، ([137])هذه المكتبات تستخدم من تقنيات حديثة في الأرشفة والحفظ والإعارة، كما تهتم بجمع كل مايصدر من النتاج الأدبي والفكري العربي وما يتعلق بالثقافة العربية على وجه الإجمال.استطاع الرافعي خلال هذه الفترة تربو حياته الأدبية على خمسٍ وثلاثين سنة إنتاج مجموعة كبيرة ومهمة من الدواوين والكتب أصبحت علامات مميزة في تاريخ الأدب العربي.

دواوينه الشعرية

كان الرافعي شاعراً مطبوعاً بدأ قرض الشعر وهو في العشرين، وطبع الجزء الأول من ديوانه في عام 1903 وهو بعد لم يتجاوز الثالثة والعشرين، وقد قدّم له بمقدمة بارعة فصّل فيها معنى الشعر وفنونه ومذاهبه وأوليته. وتألق نجم الرافعي الشاعر بعد الجزء الأول واستطاع بغير عناء أن يلفت نظر أدباء عصره، واستمر على دأبه فأصدر الجزأين الثاني والثالث من ديوانه. وبعد فترة أصدر ديوان النظرات، ولقي الرافعي حفاوة بالغة من علماء العربية وأدبائها قلّ نظيرها، حتى كتب إلیه الإمام محمد عبده قائلاً: " أسأل الله أن يجعل للحق من لسانك سيفاً يمحق الباطل، وأن يقيمك في الأواخر مقام حسان في الأوائل ".

كتبه النثرية

قلّ اهتمام الرافعي بالشعر عما كان في مبتدئه؛ وذلك لأن القوالب الشعرية تضيق عن شعوره الذي يعبر عن خلجات نفسه وخطرات قلبه ووحي وجدانه ووثبات فكره، فنزع إلى النثر محاولاً إعادة الجملة القرآنية إلى مكانها مما يكتب الكتاب والنشء والأدباء، أيقن أن عليه رسالة يؤديها إلى أدباء جيله، وأن له غاية هو عليها أقدر، فجعل هدفه الذي يسعى إلیه أن يكون لهذا الدين حارساً يدفع عنه أسباب الزيغ والفتنة والضلال، وينفخ في هذه اللغة روحاً من روحه، يردّها إلى مكانها ويرد عنها فلا يجترئ عليها مجترئ، ولا ينال منها نائل، ولا يتندر بها ساخر إلا انبرى له يبدد أوهامه ويكشف دخيلته. فكتب مجموعة من الكتب تعبر عن هذه الأغراض عُدت من عيون الأدب في مطلع هذا القرن. وأهمها:

1-تحت راية القرآن: المعركة بين القديم والجديد: وهو كتاب وقفه –كما يقول- على تبيان غلطات المجددين الذي يريدون بأغراضهم وأهوائهم أن يبتلوا الناس في دينهم وأخلاقهم ولغتهم، وهو في الأصل مجموعة مقالات كان ينشرها في الصحف في أعقاب خلافه مع طه حسين الذي احتل رده على كتاب " في الشعر الجاهلي " معظم صفحات الكتاب. 

2-وحي القلم: وهو مجموعة من مقالاته النقدية والإنشائية المستوحاة من الحياة الاجتماعية المعاصرة والقصص والتاريخ الإسلامي المتناثرة في العديد من المجلات المصرية المشهورة في مطلع القرن الماضي مثل: الرسالة، والمؤيد والبلاغ والمقتطف والسياسة وغيرها.

3-تاريخ الأدب العربي: وهو كتاب في ثلاثة أجزاء، الأول: في أبواب الأدب والرواية والرواة والشواهد الشعرية، والثاني: في إعجاز القرآن والبلاغة النبوية، وأما الثالث: فقد انتقل الرافعي إلى رحمة ربه قبل أن يرى النور؛ فتولى تلميذه محمد سعيد العريان إخراجه؛ غير أنه ناقص عن المنهج الذي خطه الرافعي له في مقدمة الجزء الأول.

4-حديث القمر: هو ثاني كتبه النثرية وقد أنشأه بعد عودته من رحلة إلى لبنان عام 1912؛ عرف فيها شاعرة من شاعرات لبنان ( مي زيادة ) ، وكان بين قلبيهما حديث  طويل، فلما عاد من رحلته أراد أن يقول فكان " حديث القمر ".

5-كتاب المساكين: وهو كتاب قدّم له بمقدمة بليغة في معنى الفقر والإحسان والتعاطف الإنساني، وهو فصول شتى ليس له وحدة تربطها سوى أنها صور من الآلام الإنسانية الكثيرة الألوان المتعددة الظلال. وقد أسند الكلام فيه إلى الشيخ علي الذي يصفه الرافعي بأنه: " الجبل الباذخ الأشم في هذه الإنسانية التي يتخبطها الفقر بأذاه "، وقد لقي هذا الكتاب احتفالاً كبيراً من أهل الأدب حتى قال عنه أحمد زكي باشاً: " لقد جعلت لنا شكسبير كما للإنجليز شكسبير وهيجو كما للفرنسيين هيجو وجوته كما للألمان جوته ".

6-رسائل الأحزان: من روائع الرافعي الثلاثة؛ التي هي نفحات الحب التي تملكت قلبه وإشراقات روحه، وقد كانت لوعة القطيعة ومرارتها أوحت إلیه برسائل الأحزان التي يقول فيها " هي رسائل الأحزان لا لأنها من الحزن جاءت؛ ولكن لأنها إلى الأحزان انتهت؛ ثم لأنها من لسان كان سلماً يترجم عن قلب كان حرباً؛ ثم لأن هذا التاريخ الغزلي كان ينبع كالحياة وكان كالحياة ماضياً إلى قبر ".

7-السحاب الأحمر: وقد جاء بعد رسائل الأحزان، وهو يتمحور حول فلسفة البغض، وطيش القلب، ولؤم المرأة.

8-أوراق الورد رسائله ورسائلها: وهو طائفة من خواطر النفس المنثورة في فلسفة الحب والجمال، أنشأه الرافعي ليصف حالةً من حالاته ويثبت تاريخاً من تاريخه، كانت رسائل يناجي بها محبوبته في خلوته، ويتحدث بها إلى نفسه أو يبعث بها إلى خيالها في غفوة المنى، ويترسل بها إلى طيفها في جلوة الأحلام.

9-على السَّفُّود: وهو كتاب لم يكتب عليه اسم الرافعي وإنما رمز إلیه بعبارة إمام من أئمة الأدب العربي، وهو عبارة عن مجموعة مقالات في نقد بعض نتاج العقاد الأدبي.



([1])  الرافعی الکاتب بین المحافظة والتجدید ص 101

([2])    حياة الرافعي  : 24 .

([3])   وحي القلم  ص 3

([4])    الأعلام 4/40 .

([5])   الرافعي الكاتب : 102 .

([6])    حياة الرافعي : 27 ، ترجمته في طبقات الشافعية 8/281 .

([7])   حياة الرافعي : 26 .

([8])    حياة الرافعي :24 .

([9])    حياة الرافعي  24 ، 25 . قال شوقي يمدح الرافعيين

)[10]( وحي القلم 3/28 .

)[11]( حياة الرافعي : 32 .

)[12]( حياة الرافعي : 30 .

([13])   الاعلا م  للزرکلی 7/235

([14])   نفس المصدر ص 3

([15])   الرافعی الکاتب بین المحافظة والتجدید ص 102

([16])   شوقي ضيف: أحمد شوقي عبد السلام ضيف، الأدب العربي المعاصر في مصر 242،دار المعارف ،الطبعة الثالثة عشرة۔

([17])   الاعلام للزركلي،ص236

([18])   الرافعی بین الکاتب والتجدید

([19])   الرافعي الكاتب بين المحافظة والتجديد 107

([20])   وحي القلم  ص 3

([21])    الرافعی الکاتب بین المحافظة و التجدید  115

([22])   وحی القلم ص301

([23])   الرافعي الكاتب بين المحافظة والتجديد ص116

([24])   وحی القلم ص3

([25])  الادب المعاصر فی مصر 170

([26])   نفس المصدر ص 242

([27])   السيد مرسي أبو ذكري،المقال وتطوره في الأدب المعاصر 93ـــــ192 ، دار المعارف،الطبعة: 1981،1982

([28])   الرافعي الكاتب بين المحافظة والتجديد ص35

([29])   تطور الأدب الحديث في مصر387

([30])       حياة الرافعي  33 .

)[31]( نفس المصدر : 226 .

)[32]( وحي الرسالة 4/441 .

)[33]( حياة الرافعي : 32 .

)[34]( الرافعي الكاتب : 314 .

)[35]( الرافعي الكاتب : 318 . ۔

)[36] ( مقدمة ابن خلدون : 578 .

)[37](       في الحديث عن لغة المصنفين و مدى الاحتجاج بها : المعيار في التخطئة و التصويب:135 ـ

)[38]( الرافعي الكاتب : 468 .

)[39]( الرافعي الكاتب : 351 .

)[40]( حياة الرافعي : 76 .

)[41]( وحي القلم 3/16 .

)[42]( رسائل الرافعي : 67 .

)[43]( رسائل الرافعي : 174 .

)[44]( تحت راية القرآن : 58 .

)[45]( تحت راية القرآن : 19 .

)[46]( وحي القلم 1/17 .

)[47]( رسائل الرافعي : 42 .

)[48]( تحت راية القرآن 48 .

)[49](  تحت راية القرآن : 39 .

)[50]( نقله القاعود في كتابه : مدرسة البيان في النقد الحديث : 320  عن البدري في كتابه : مصطفى صادق الرافعي : 89 .

)[51]( وحي القلم 3/182 .

)[52](  حديث الأربعاء 3/122 ، تحت راية القرآن 105 .

)[53]( الرافعي الكاتب : 354 .

)[54]( حياة الرافعي : 75 .

)[55]( وحي الرسالة 1/440 .

)[56]( حياة الرافعي : 226 .

)[57](  أوراق الورد : 121 .

)[58]( وحي القلم 3/340 .

)[59](  رسائل الرافعي 67 .

)[60](  رسائل الرافعي : 136 .

)[61](  رسائل الرافعي : 174 .

)[62](  الخصائص 2/394 .

)[63](  اللغة و بناء الشعر :ص 24 .

)[64]( وحي القلم 3/181 .

)[65]( حياة الرافعي : 226 .

)[66]( وحي الرسالة 4/439 .

)[67](  حياة الرافعي : 176 ، و رسائل الرافعي : 161 .

)[68]( رسائل الرافعي : 77 .

)[69](  أنيس المقدسي:الفنون الأدبية وأعلامها في النهضة الحديثة،ص319 ، الطبعة4، دار العلم للملايين، بيروت 1984م.

)[70](   الرافعي الكاتب : 354 .

)[71](  تحت راية القرآن 109

)[72]( حياة الرافعي : 227 .

)[73](  رسائل الرافعي : 48 .

)[74]( حياة الرافعي : 215 ،      وحي القلم 3/5 .

)[75]( رسائل الرافعي : 241 ، 244 .

)[76]( نفس المصدر : 169 .

)[77]( نفس المصدر : 178 .

)[78]( نفس المصدر : 183 .

)[79](      نفس المصدر  : 226 .

)[80](      نفس المصدر  : 228 .

)[81]( حياة الرافعي : 220ـ،228 .

([82])   الأعلام7/235

([83])   محمد كامل الفقي، الأزهر وأثره في النهضة الأدبية الحديثة3/216 ،المطبعة المنيرية بالأزهر الشريف

([84])   الرافعی الکاتب بين المحافظة والتجديد ص120

([85])   الرافعی الکاتب بين المحافظة والتجديد ص121

([86])   نفس المصدرص 126

([87])   عمر الدسوقي، في الأدب الحديث ص 170،دار الفكر العربي،الطبعة الأولی: 1420 هـ- 2000م

([88])   رسائل الرافعی ص 82

([89])    المعارك الأدبية ص 208

([90])      الدسوقي، عمر، الأدب الحديث، ج 2/297، القاهرة: دار الفكر العربي۔

([91])   وحی القلم ص3/300

([92])   تحت رأية القران ص 90

([93])      الرافعي الكاتب بين المحافظة والتجديد ص 41

([94])  وحي القلم 2/240

([95])   الرافعي بين الكاتب والتجديد ص 42

([96])  وحي القلم  ص 3/153

([97])   الرافعي، تأريخ آداب العرب "1/ 137

([98])   الرافعي الكاتب بين المحافظة والتجديد 207

([99])   الرافعي الكاتب بين المحافظة والتجديد ص539

([100]) ديوان الرافعي ص 39

([101]) مقدمة وحي القلم 1/7

([102])       أحمد أنور سيد أحمد الجندي ، المعارك الأدبية ص264 ،مكتبة الأنجلو المصرية،الطبعة:1983

([103]) شوقي ضيف:أحمد شوقي عبد السلام، الأدب العربي المعاصر في مصر ص278،دار المعارف،الطبعة الثالثة عشرة۔

 

([104]) الأدب العربي المعاصر في مصرص 140

([105]) الأعلام3/107

([106]) معجم الشعراء العرب ص 1325

([107])  عبد اللطيف محمود حمزة،المدخل في فن التحرير الصحفي ص 259 ، الهيئة المصرية العامة للكتاب الطبعة الخامسة

([108]) تحت راية القران ص83

([109]) المعارك الادبية ص 73

([110]) السيد مرسي أبو ذكري، المقال وتطوره في الأدب المعاصر،ص203، دار المعارف،الطبعة: 1981-1982

 

([111]) المدخل في فن التحرير الصحفي ص 27

([112]) المعارك الادبية ص  210

([113]) المدخل في فن التحرير الصحفي ص 259

([114]) المعارك الادبية 439   

([115]) رسائل الرافعي ص182.

([116]) نفس المصدر ص270.   

([117]) المعارك الأدبية ص10

([118]) المعارك الأدبية ص205

([119]) المعارك الادبية ص 428

([120]) الرسالة أبريل 1938.

([121]) المعارك الأدبية ص 266

([122]) المارك الأدبية ص 392

([123])   المعارك الأدبية ص 650

([124]) الهلال فبراير 1942.

([125]) محمد كامل الفقي ،الأزهر وأثره في النهضة الأدبية الحديثة37،المطبعة المنيرية بالأزهر الشريف

([126]) المفصل في تاريخ الأدب العربي 2 /294

([127]) الأزهر وأثره في النهضة الأدبية الحديثة 85

([128]) الفن ومذاهبه في النثر العربي 391

([129]) السيد مرسي أبو ذكري ،المقال وتطوره في الأدب المعاصر176، دار المعارف،الطبعة: 1981-1982

([130]) عمر الدسوقي،في الأدب الحديث ¼،دار الفكر العربي الجزء الأول 1420 هـ- 2000م

([131]) الأزهر وأثره في النهضة الأدبية الحديثة 2/158

([132]) عمر الدسوقي ،في الأدب الحديث86،دار الفكر العربي، الطبعة الجزء الأول 1420 هـ- 2000م

([133]) نشأة النثر الحديث وتطوره249-250

([134]) محمد يوسف نجم ،فن المقالة60 بيروت:دار صادر - دار الشروق عمان،الطبعة: الأولى، 1996

([135]) إبراهيم عبده،تطور الصحافة المصرية 47،مؤسسة سجل العرب،الطبعة الرابعة

([136]) إبراهيم إمام ،دراسات في الفن الصحفي320،مكتبة الأنجلو المصرية

([137]) مجاني الأدب في حدائق العرب، يعقوب شيخو: رزق الله بن يوسف بن عبد المسيح

بيروت :مطبعة الآباء اليسوعيين، الطبعة: 1913 م

Loading...
Table of Contents of Book
ID Chapters/Headings Author(s) Pages Info
ID Chapters/Headings Author(s) Pages Info
Similar Books
Loading...
Similar Chapters
Loading...
Similar Thesis
Loading...

Similar News

Loading...
Similar Articles
Loading...
Similar Article Headings
Loading...