1693787319577_56118212
Open/Free Access
85
المبحث الأول: فصول السنة والمشاعر
قصیدة )کآبة الفصول الأربعة (لنازک الملائكة [1]
نحن نحیا في عالم کلّہ دم
عٌ وعمرٌ یفیض[2] یأساً وحزناً
تتشفی[3] عناصر الزمن القا
سي بأھاتنا وتسخر منّا
في غموض الحیاۃ نسرب[4] کالأ ش
باح بین البکاء والآھاتِ
کلّ یومٍ طفلٌ جدیدٌ ومیتٌ
ودموعٌ تبکي علی المأساۃ
ثم ماذا؟ في أيّ عالمنا المح
زن نلقٰی العزاء[5] عمّا نقاسي؟
عند وجہ الطبیعۃ الجھم [6] أم عن
د فؤاد الزمان وھو القاسي
قد عبرنا نھر الحیاۃِ حیارَی
في ظلام الفصول والسنوات
وثبتنا علیٰ أسانا خریفاً
وربیعاً فما جمالُ الحیاۃ؟
طالما مرّ بي الخریفُ فأصغي
تُ لصوتِ القمریّۃ[7] المحزونِ
وأنا في سکون غرفتي الدج
یاء أرنو[8] إلی وجوم[9] الغصون
طالما في الخریفِ سرت الی الحق
ل وأمعنتُ في وجومي[10] وحزني
کیف لا والکآبۃُ المرّۃ الخر
ساءُ قد رفرفتُ علی کلّ غصن
والحمامُ الجمیلُ قد ھَجَر الاّع
شاش سأمان [11]من وجوم السھوب[12]
وطیورُ الکنار آثرت الھج
رۃ والعیش في حقول الجنوب
وغصونُ الاشجار مصفرّۃ الأو
راق والزھرُ ذابلٌ مکفھرٌ
وریاحُ الخریف تعبث بالأو
راق والسّحبُ في الفضاء تمرّ
طالما سرتُ في المساء وفي سم
عي صوت الأوراق تحت خطایا
کلّما سرت خطوۃ أنّت الأو
راق فاستجمعت بعید أسایا
أرمقُ الحقل والجداولُ قد جف
تُ ولون الفضاء أسودُ غائم
وأحسّ الیوم الکئیب یغني
من بعیدٍ بین النخیل الواجم
وأری النھر من بعیدٍ کسرّ
غلّفتہ أیدي الخریفِ الکئیب
لا رُعاۃٌ علی شواطۂ یُز
جون أغنامھم قُبیل الغروب
لا اخضرار یغري[13] الحزان بأن یس
عوا الیہ ولا صفاءٌ جمیل
لیس الا رطوبۃ الأرض والوح
شۃُ والصمتُ والرُبی[14] والنخیل
فذا رعشۃ تضمّ فؤادي
وذا الروح ضائق بأساہُ
ما أمرّ الخریف یا ربّ ما أو
حش أصباحہُ وأقسی مساہُ
ثم یأتي الشتاء بالثلج والأم
طار والریح في سکون اللیالي
وتمرّ الأیام موحشۃ الخط
وبطاء الأصباح والآصالِ[15]
وتموتُ الأزھارُ في قبضۃِ الثل
ج ویعرو الأشجار لونُ الزوالِ
وتغیب الأطیارُ في الموقد المھ
جور أو في کھفٍ وراء الجبال
ویجيء المساءُ بالمطر المن
ھلِّ یبکي علی شجا الإنسان
وتظلُّ الریاحُ تعصفُ بالنخ
لِ وترثي لکل قلبٍ عانِ
آہِ ما أکاب الشتاء لیالی
ہِ وأیامہ وما أقساہُ
حین أخلو لنار موقدي الخام
دِ والقلبُ مغرقٌ في أساہ
لستُ أصغي إلا إلی ضجۃ الاع
صار بین النخیل والصفصافِ[16]
واصطفاقِ الأمواج في شاطیءِ النھ
رِ ووقعِ الأمطارِ فوق الضفافِ
کلّ شيء في الکون حولي کئیب
في لیالي الشتاء ذات الرعودِ
کل شيء حولي سوی ساعتي الصمّ
اء في صمتِ غرفتي المعھود
ایہ یا ساعتي الکئیبۃ یا من
صحبتني في فرحتي وشقاءي
ما الذي تبعثین في نفسي الحي
ری الحزن في لیالی الشتاءِ
أبداً تخفقین في معصمي البا
ردِ واللیلُ مظلمٌ ممدودُ
لحظات تمرّ في ثقل السا
عِ ولیلٌ معذّبٌ منکودُ [17]
کم سھرت المساءَ أصغي الی دق
اتک الحائراتِ في مسمعیَّا
أنت یا من أحصیتِ ساعاتِ أیّا
مي وکنتِ الرسول منھا إلیّا
رحمۃً في الشتاء بي لا تعدّي
ما تبقی یا ساعتي من حیاتي
واتر کیني أصغي الی نغم الأم
طار فوق الحقول والربواتِ
اتر کیني فنغمۃ المطر الھا
مر أحلی من صوتکِ الجبّارِ
یا رسول القضاء والزّمن المف
ني وصوت الأحداث والأقدار
اتر کیني وحدي وإن کان لیلي
مکفھراً[18] تحت البروق طویلا
اترکیني أصغي الی الرعد والأم
طار یا ساعتي وکفّي العویلا
وغداً یُقبل الربیع فیحلو
عقرباکِ المحبّبان لعیني
وتعود الدقّات منک نشیداً
ا تغنیٰ بہ ویصدَحُ[19] فني
الربیعُ الجمیل فصل الطیور ال
بیضِ والزھر والسّنا والعطورِ
عندما تکتسي العرائش بالکر
م وتشدو طیورھا في البکورِ
عندما یخرج الرعاۃُ الی الوا
دي بأغنامھم وتزھو الضفافُ
عندما یُزھر البنفسج والخبّ
از والبرتقال والصفصافُ
وتذوب الثلوجُ في القمم العلّ
یا فتجري السیول في کل وادِ
ویعودُ البطّ الجمیل إلی الشا
طیء بین الاعشاب والاورادِ
ویعود الفلاّح یخرجُ للحق
ل طروب الفؤادِ کلّ صباحِ
تحت شمسِ الربیع یسقي جذور ال
تین والبرتقالِ والتفّاحِ
وتعود الطیورُ للوطن المھ
جور جذلی مفتونۃ بالربیعِ
في ثنایا الأغصانِ تتخذُ الأع
شاش تحت النور النقيِّ البدیعِ
والقماريُّ تستحمّ وتلھو
بین زھر الخبّاز فوق الضفافِ
وتغنيّ للنھر أعذب ألحا
نِ الأماني في مسمع الصفصاف
وزھورُ السفوح تضحک للنح
ل وتُحني رؤوسھا للنسیمِ
وقطیع الأغنامِ یمرحُ والرا
عي یُقضّي النھار تحت الکروم[20]
وصبایا القُرَی یرحن ویغدو
ن نشاوی[21] علی ضفاف السواقي
منشداتٍ أحلامھنّ علی سم
ع الینا بیع والورود الرقاق
وسماء الحیاۃ تزخر بالوج
ي ویصحو الشعورُ والأحلامُ
أي أدونیس[22] آہِ لو عشت في الأر
ض فعاش السّنا[23] ومات الظلامُ
آہ لو لم یکن مقامک في عا
لمنا المکفھرُ حلّمًا قصیرا
آہِ لو دمت یا أدونیس للأر
ض وأبقیت عطرکَ المسحورا
یا ضیاع الأحلام في مسمع المو
تِ وماذا تفیدنا الأحلامُ
لیس یبقی الربیع إلا قلیلاً
ثم یخبو الجمالُ والأوھامُ
مثل زھر الصحراء سرعان ماتق
تلُہ الشمس والریاحُ الھوجُ
وتعودُ الواحات قفراً کما کا
نت ویذوي العشب النضیر البھیج
ھکذا یرحل الربیع سریعاً
وتعود الحیاۃُ للأحزانِ
وتموتُ الأمال في کل قلبٍ
وتعیش النفوسُ للحرمانِ
فکأن الحیاۃَ لم تبتسم إلاّ
لتُلقي سوادھا في رؤانا
وکأن الزھور لم تنشر الأش
ذاء إلا لکي تثیر أسانا
وکان النضارۃ الحلوۃ الجذ[24]
لي حداءٌ [25] بنا لصمتِ القبورِ
وکانّ الطیور ترسل لحن ال
موتِ في سمع کلّ حيّ غریر
یا شباب الحیاۃِ ما أنت بالخا
لد إلا خلود زھر الربیعِ
لیس تُبقي علی نضارتکُ الأق
دارُ في حومۃ الأسی والدموعِ
أسفاً یا ربیعُ یا وردُ یا عط
ر اھذا ختامُ کلّ جمالِ
اکذا یخفتُ الضیاءُ ویبقی الص
مت والحزنُ في سکون اللیالي
قصّۃ الحبّ والجمال أھذا
ما الیہ تکونُ بعد صباھا؟
تتصدّی لھا یدُ الزمن الما
حي فتبلي ضیاءھا و صداھا
ھکذا یا ربیعُ یختتم النس
یان والصمتُ کلّ شيء جمیلِ
ویعیشُ الانسانُ تعصرُہ الذک
ریٰ ویبکي علی أساہ الطویلِ
فاذا عضّت[26] الکآبۃ قلبي
في أضاحي[27] الربیع واشتدّ حزني
فعلی مصرعِ الفراشاتِ أبکي
وذبول الوادي الشجیر الأغنّ
یا معاني الزوالِ والعدَم الرا
ئع رحماکِ وارفقي بصبایا
لا تُطلّي عليّ من کلّ شيءٍ
في وجودي فقد سئمتُ أسایا
أترکیني أرَ الربیع طیوراً
لیس ینوي لھا الأذی مغتالُ
ولتکن زھرۃ البنقسج في عي
ني خلوداً لا یعتریہ زوال
ودعیني أعش مع الذکریات ال
بیض في أمسي الجمیل لراحلُ
علّ ھذا یجلو أسیٰ الصیف عن قل
بي ویحیي مواتَ حلمي الذابل
فلقد جفّت الریاضُ الجمیلا
تُ فلا زھرۃُ ولا أشذاءُ
وانطوت فرحۃُ الربیع ومات ال
عُشبُ في أرضھا وجفّ الماءُ
لم تَعُد في العشاش قمریّۃ تش
دو وتسقي أفراخھا في النھارِ
کیف تحیا الطیورُ في لھَب الشم
س وتلھو تحت اللظی والنارِ
لم یعد للنسیم قلبُ یحبّ الن
ھر والمرجَ في ظلام الأماسي
لم یعد للأزھار لون جمیلٌ
یتجلَّی لمرھفي الإحساسِ
کلّ شیءِ في الصیف ینطق بالقَس
وۃِ والشمسُ شعلۃٌ ولھیبُ
تتشکّی عریشۃُ الکرم لکن
لیس یجدي توسّلُ ونحیبُ
آہِ ما أکابَ الظھیرۃَ في الصی
فِ إذا لاذَ جوّھا بالسکون
وتلاشیٰ في الجوّ کلّ ھُتافٍ
غیر صوتِ الطاحونۃ المحزونِ
وبکاءُ الحمامۃِ الخافتِ النا
ءي وصوتُ الغرابِ بین الکروم
وأزیزُ[28] من نحلۃٍ تملأ القل
ب ملالاً بصوتھا المسؤوم
ثم ماذا؟ ماذا تری العینُ في الصي
فِ اذا أقبل المساءُ الداجي؟
ھل سوی منظر النخیل البعیدا
تِ وحزنٍ الاشجار خلفَ السیاج
ھل سوی منظر الرعاۃِ یعودو
نَ بأغنامھم حیاریٰ بطاءَ
بعد یومٍ أمضوہُ تحت لَظَی الشم
س ملالاً وشقوۃً وعناءَ
ھل سوی الصائدین في النھر الضح
لِ یعودون في المساء الکئیب
لم یصیدوا وصادَ أرواحھم حرّ
نھارٍ مؤذٍ وعیشٍ جدیبِ
کلّ یوم یمضي النھار ولا صي
د یعزّي صیّادَہُ الطوّافاَ
یا لقلبِ المسکین قد سئم النھ
ر وعاف المیاہَ والمجذافا
فھو عند الغروب یرجعُ بالزو
رقِ سأمان واجمَ الألحانِ
إن تغنّی فبالشکاۃِ یزجي
ھا إلی خافق الحیاۃِ الجاني
کم رأیتُ الصیّاد في الشارع المق
فرِ یمشي معذّبا مصدوما
عکستُ مقلتاہ أحزان قلبٍ
سئم العیش والوجودَ الألیما
لست أنت المحزونَ وحدَکَ یا صي
ادُ في حومۃ الشقاء المخیفِ
ھو سجنُ الحیاۃِ قد کبّلت أق
یادُہُ السودُ کلّ قلب رھیفِ
ذاک شأنُ الانسانِ یا أیّھا الصّي
ادُ یا شاکیا ظلام الرزایا
في صراعٍ مع العناصر لا یھ
دأ حتی یأوي لوادي المنایا
في سبیل الحیاۃِ یبدلُ أفرا
حَ صباہُ ویستطیب أساہُ
فھو یجري وراء حُلم کذوبٍ
رسمتُہ أوھامُہ ورؤاہ
وعجیبٌ أنّا نذوقُ سواد ال
عیش والیأسِ والملالِ لنحیا
أي عمرٍ ھذا؟ وأیّۃ مأسا
ۃٍ بلونا سوادھا الأبدیّا؟
أبداً نحنُ في کفاحٍ مع الأق
دار والحادثات تُبلي وتفني
یتحدّی أحلامنا الواقعُ المرّ
ویقسو زماننا المتجنّي
ونخافُ الغدَ الدجيَّ ولا نع
لم ماذا یکونُ فیہ المصیر
یا ظلام المجھولِ ما أرھبُ التف
کیر لا کان سرّک المستورُ
آہِ لو کان في الحیاۃِ مفرّ
من شقاءِ الأوھامِ والأفکار
في شعابِ الھُدوء یا لیتنا نُل
قي بأعباءِ خوفنا الجبّار
الشرح المجمل البسيط (للقصيدة( لنازك الملائكة
نازك الملائکۃ شاعرۃ حزینۃ وھي معروفۃ بحزنھا لذلك تبدأ قصیدتھا وتقول نحن نحیا في عالمٍ کلہ دمعٌ وعمرٍ یفیض یأساً وحزناً۔ تقصد بأننا نعیش في عالمٍ مليءٍ بالدموع والعمر کلہ بأس وحزن وحیاتُنا کلہا یأس وألم تھدأ حالات الزمن القاسي بالآھات ولکنھا تجعلنا سخریۃ وأضحوکۃ بین أیدیھا ولا نستطیع أن نفھم أسرار الحیاۃ وغموضھا ونسیر کالأشباح وحیاتنا کلھا تمر بین البکاء والآھات ولا نفھم أین المفر۔
ھُنا وصفت البشر کالأشباح، وتقول کلّ یوم مولودٌ جدیدٌ ولکن في نفس الوقت کل یوم میّت واحدٌ منّا۔ ونفترق من ھذا الشخص الذي کان یعیش بیننا وھذا الفراق یجلب لنا الدموع والبکاء والأسٰی۔
ثم تسأل الشاعرۃ بأننا متیٰ سنلاقي العزاء والجزاء في ھذا الزمن القاسي، وتفقد الأمل بلقاء العزاء في ھذا العالم الحزین لأن کلّ ما نقاسي ھو إما بسبب بعض أوجہ الطبیعۃ القاسیۃ أو بسبب بعض تکالیف الزمان وتؤشر بقولھا ’’فؤاد الزمان وھو القاسي‘‘ بأنّ الزمن وھو الأقسیٰ لأننا لا نستطیع تحملہ۔۔۔۔۔ فکیف لھذا الزمن القاسي یلا قینا العزاء۔
ووصفت الحیاۃ بالنھر وتقول بأننا عبرنا ھذا النھر ’’نھر الحیاۃ‘‘ في حیرۃ وتعجب في ظلام الفصول والسنوات بأنّ الأیام تمضي وتمر حتی تصبح فصولاً، والفصول تمضي وتمر حتی تصبح سنوات، والسنوات تمضي وتمر حتی تصبح عمر الإنسان، ونحن لا نحس۔۔۔ لا نحس متی جاء الربیع ومتٰی ذھب الخریف۔۔۔۔ ونحن مازلنا في الأسی والحزن، فما جمالُ الحیاۃ؟ مع طولھا، ومع ألمھا وأساھا وحزنھا، لا نحس بمرورھا وقساوتھا۔
* وتقول أصغت وسمعت لصوت القُمریۃ المحزونۃ مدیٰ أیام الخریف وأنّھا في ھدوءِ وسکون في غرفتھا الظلماء، تستطیع أن تسمع حرکات الغصون عندما تسیر في الحقل۔
* وعندما سارت في الحقل وأمعنت في حزنھا لاحظت أن الکآبۃ المرّۃ الخرساء متناثرۃ علی کلّ غصن ، والحمام الجمیل قد ھاجرھذہ الحقول الجدباء الصفراء وأیضاً طیور الکناريا قررت أن تھاجر وتأخذ مقرھا في حقول الجنوب والعیش ھناک:
* وبسبب فصل الخریف اصفرت أوراق الأشجار وجفت الأزھار وذبلت ألوانھا، وریاح الخریف القاسیۃ تلعب بالاوراق والسُحب تمر في الفضاء۔
وتقول أنھا کلما سارت ومشت في المساء سمعت صوت الأوراق تحثُ خُطاھا، وکلما سمعت صوت الأوراق الجافۃ تتمزّق تحت قدمیھا استجمعت جمیع مآسیھا وأحزانھا الماضیۃ في ذاکرتھا۔
* وقد جفت الجداول ومياه الحقول ولون الفضاء أسود مظلم، وتسمع صوت البوم الحزین یغني من بعید بین النخیل وکأنّ صوتہ مشؤوم یأتي الکآبۃ والبأس۔
* وتقول الشاعرۃ أنھا تری النھر مھجورۃ بین أیدي الخریف الکئیب، ولا تری الأغنام ۔ولا الرُعاۃ متزاحمین علی شواطئه قبل الغروب، ولا تری صفاء في ماء النھر ولا تری علی شاطئه اخضراراً مغریاً یسعد أعین الحزانی ولا شيئًا مثیرًا کی یسعیٰ إلیہ الناس لرؤیتہ، ولا یوجد مکان النھر المھجور، إلاّ رطوبۃ الأرض والوحشة والصمت والرّبٰی والنخیل۔
* وتقول أنھا بین أیدي الخریف لیس ھُناک من یضم فؤادھا إلاّ رعشۃٌ والرّوح ضائق منھمکٌ ومھلکٌ بأساہ ما أمر الخریف یا رب۔۔۔۔۔
توضح في ھذہ الأبیات شدۃ مرارۃ أیام الخریف سائلۃ ربّھا، وتوضح شدۃ وحشۃ صباحہُ وقساوۃ مساۂ۔
ثم تقول یأتي الشتاء بعد الخریف، وفصل الشتاء۔۔۔ یجلب معہ الثلوج والأمطار في سکون اللیالي وأیضاً في الشتاء تمر الایام موحشۃ الخطوة وحال الصباح والمساء مثل أیام الخریف، وتموت الازھار وتيبس غُصون الأشجار وتتساقط أوراقھا ویختفي ألوانھا، وغابت الأطیار وأخذت مسکنھا فی المواقد المھجورۃ أو في الکھف خلف الجبال وذلک بسبب البرد القارس و تساقط الثلوج۔
وعند ما یأتي المساء یأتي معه الأمطار الغزیرۃ وکأن السماء تبکي علی شقاء وتعاسۃ الإنسان وتزداد حرکۃ الریاح العاصفۃ وتھتز بالنخل وکأنھا ترثي وتبکی علی قلوبٍ ذاقت المصائب والمآسي. آہ ما أکأب الشتاء۔۔۔۔۔۔۔
توضح الشاعرۃ ھُنا مندھشۃ في ھذہ الأبیاتِ شدۃ کآبۃ وقساوۃ لیالي وأیام الشتاء۔ وتقول عندما تنفرد عن الناس وتقترب من نارٍ موقدھا الخامد وقلبھا مغرقٌ في الماسي لا تسمع إلاّ إلی ضجۃ الریاح الشدیدۃ التی تھب بین النخیل والصفصاف، واصطدام أمواج النھر بالشاطیء وأصوات الأمطار الغزیرۃ التي تتساقط علی الضفاف.
وتقول انّ في لیالي الشتاء کل شيء حولھا في الکون کئیبٌ حزین۔ وکل شيء في غرفتھا في صمت معھود إلا ساعتھا الکئیبۃ التي ھي کانت في صحبتھا في فرحتھا وشقائھا۔ وتسألھا ما الذي تبعث في نفسھا الحیرانۃ من الأحزان في لیالي الشتاء۔
وفي اللیل الطویل البارد لا شيء في قلبھا إلا دقاتُ ساعتھا تخفق في معصمھا البارد، وعندما یحزن القلب تطول لحظات التعاسۃ وتثقل الساعۃ ویمر اللیل کلہ في عذاب ونکد۔
وتقول لساعتھا بأنھا رفیقتھا في کل حین وکم من مساءٍ سھرت معھا تسمع إلی دقاتھا الحائرات، وأنّ اﷲ یُرسل الإنسان إلی ھذا العالم الفاني لأیام معدودۃٍ وأن ساعتھا ھي التی تحصي ساعاتِ أیامھا، وأن ھذہ الساعۃ ھي التي تشرح عن المساء وما فیھا فتطلب منھا الرحمۃ فی الشتاء بأن لا تعد ما تبقی من ساعات حیاتھا وتترکھا حرۃ تسمع إلی وقع الأمطار فوق الحقول والربوات ثم وصفت الشاعرۃ صوت الساعۃ، ثم وصفت الساعۃ بأنّھا رسول القضاء والزمن المفني وصوتھا صوت الأحداث والأقدار، فتطلب منھا ان تترکھا وحدھا وإن کان لیالیھا مکفھرة طویلة تحت البروق والرعود۔
ثم وصفت صوت ساعتھا بالعویل فتقول لھا بأن تترکھا تسمع إلی رعد الأمطار ولا تزید في العویل۔ ثم تعطیھا الأمل (لساعتھا) بأنّ غداً سیأتي الربیع فیحلو جمال عقرباھا ویحلوا الأیام معھا، وستعود دقاتھا نشیداً تتغنٰی بہ ویتطور فنّھا۔
* ثم تبدأ الشاعرۃ تصف فصل الربیع بأنہ کم ھو جمیلٌ، فھو فصل تخرج فیہ الطیور البیضُ من أعشاشھا، وتزدھر الأزھار وتنتشر رائحۃ الزھور والورود وکأنّہ عطرٌ جمیلٌ في الطبیعۃِ، وعندما تخضرُّ الأرض وتکتسي بالحشائش آنذاک تبدأ الطیور تتغرد وتصحو مع الصباح الباکر وتخرج باحثۃ عن طعامھا۔
* وفي ھذا الفصل یخرج الرّعاۃُ إلی الوادي بأغنامھم وتزدھر الضفاف، وعندھا یُزھر البفسج والخبّاز والبرتقالُ والصفصاف. تخرج الشمس وتذوب الثلوج في القمم العالیۃ من الجبال فتجري السھیولِ وتتکون منھا الأودیۃ، فیعتدل الجو ویعود البطّ الجمیل إلی الشاطيء بین الأعشابِ و ویبدو الفلاح یخرج لحقولہ منبسطاً فرحاً کلّ صباح۔ یبدأ(الفلاح) تحت شمس الربیع یسقي مزرعتہ التي فیھا التّین والبرتقال والتفاح، وتبدأ الطیور تعود إلی أوطانھا الجمیلۃ بعد أن ھاجرتھا بسبب البرد القارصِ ولکن الآنِ امتلأت أراضیھا بالأودیۃ واکتست بالحشائش والأزھار فتأخذ الطیور أعشاشھا في ثنایا الأغصان تحت نور الشمس النقي البدیع۔ ثم تبدأ(القماريُّ)، (نوع من الطیور) تستحم وتلعب بین أزھار الخبّاز (نوع من الزھور) علی الضفافِ، وتغني بالفرحۃِ أعذب الأغاني مع أجمل الألحان في مسمعِ الصفصاف وزھور السفوح تضحک للنحل وترحب بہ وتخفض رؤوسھا للنسیم (بأن تتساقط الندیء علیھا فتنخفض رؤوسھا بسبب ثقل قطرات المیاہ) وقطیع الأغنام یمرح ویلعب بسبب ھذا الجو الجمیل وأیضاً الراعي یرتاح ویقضي نہارہ تحت الکروم۔
* وبنات القریٰ یذھبن نشاویٰ علی ضفاف النھر تنشدن الأغاني بالفرحۃ بین الینابیع والورود الرقیقۃ۔وقد یبدأ أیام الحیاۃ تزدھر الأیام وتتحقق الأحلام۔
* وسماء الحیاۃ تزخر بالوحي، تتجمّل وتتجدد الأماني، ویصحو الشعور والأحلام، أي تتجدد الآمال بعد أن خمدت وفقدت الإحساس، فتنادي الأدونیس وتطلب منہ البقاء في الأرض إلی الأبد، لأن ذلک یؤدي الی دوام السّنا وموت الظلام۔
* وتتمنّی بأن ھذہ الأیام تبقٰی، ولا تمر کالأعلام القصیرۃ ویالیت الأدونیس یدوم في الأرض ویبقی مطرہُ المسحور مدیٰ العمر۔
* ووصفت الموت بضائع الأحلام فبمجرد موت الإنسان تضیع الأحلام۔ فلن یدوم الربیع، فھو فصلٌ لا یبقیٰ إلاّ أیاماً قلیلاً ثم یذھب الجمال وتذھب معہُ الآمال، فمبجرد ذھاب الربیع یزول الجمال، فحال ھذہ الطبیعۃ الجمیلۃ کحال زھر الصحراء سرعان ما تقتلہ الشمس والریاح القاتلۃ الساخنہ، فتصبح الأرض قاحلۃ، وتصبح الواحات الجمیلۃ أرضاً جدباء لازھر فیھا ولا العشب النضیر البھیج۔
* وھکذا سرعان ما تنتھی أیام الربیع وتعود الحیاۃ إلى نهايتها وتموت الآمال، وتفقد القلوب أمانیھا، وتعیش النفوس في الحرمان، فکأن الحیاۃ لم تبتسم إلاّ لتلقي السواد علی أحلامنا وکأن الزھور لم تنتشر
شذاھا إلاّ لکي تزید من أسانا وأحزاننا۔
* والنضارۃ الحلوۃ عندما تنتھي رونقھا کأنھا تنادینا إلی توقف الحیاۃ والھدوء کصمت القبور، وآخر ألحان الطیور کأنّھا تبعث رسالۃ الموت إلی کلّ حی غریر۔
* وشبھت الشاعرۃ شباب الحیاۃ بزھر الربیع، فتخاطب شباب الحیاۃ وتخبرہُ بأنّہ لا یدوم وخلودہ کخلود زھر الربیع، وحالہ کحال جمال الربیع یأتي وینشر الفرحۃ ویبعث السرور ویصحو الأحلام ثم یذھب ویزول، ویزول معہُ السعادۃ والأفراح۔
* فلا یبقیٰ القدرُ راضيا عنکِ إلی الأبد، فلا بدّ مصیرک الأسی والدموع ونھایتک مؤلمۃ، فتتاسف الشاعرۃ للربیع علی ختامہ فلا بدّ لکل جمالٍ ان ینتھي ویزول فھذا ھو حال طبیعۃ الحیاۃ، فلا بُدَ لضوء النھار ان یلاحقہ سکون وظلام اللیل۔
* وقصۃ الحبّ والجمال ینتھي بعد صباھا، فلا یبقی إلا ضیاء ھا وصداھا، ھکذا یا ربیع فلا بُدّ لکلّ شيء جمیل ان ینتھي فیختتم بالصمت والنسیان، فلا تبقي إلا الذکریات المؤلمۃ التي یظلُ القلب یبکی علی أساہُ۔
توضح الشاعرۃ ھُنا حالُ قلبھا عندما یعضھا الکآبۃ ویشتد حزنھا فتظل تبکي علی مصرع الفراشات وذبول الوادي الشجیر۔
* ثم تطلب الرحمۃ من الزوال والعدم الرائع، والرفقہ بصباھا وشبھابھا فتطلب أن لا یطیل الزوال علیھا، فھي قد سئمت من المآسي، ولا طاقۃ لدیھا کی تتحمل الأحزان۔
* وتطلب ان تظل تریٰ الربیع والطیور ولا تتحمل لھما الأذیٰ، وتبقیٰ زھرة البنفسج في عینیھا خالداً لا یسمہُ الزوال۔* ولا یھمھا ان کان الربیع باقٍ يا أم لا فقط أنھا ترید ان تعیش مع الذکریات البیض في أمسھا الجمیل الرّاحل۔ وھذا أفضل لھا لأنّھا بسبب ھذہ الذکریات لا تحس بأسی الصیف وھذا الشعور یریح قلبھا ویحی حلمھا الذّایل۔
* ثم تخبر الشاعرۃ عن قدوم فصل الصیف وتبدأ بالوصف عن ھذا الفصل الجاف الذي کلہ حزن وجفاف۔
فتقول جفت الریاض الجمیلات فلا تبقیٰ زھرۃ ولا عطرھا ولا رائحتھا الجمیلۃ، فبقدوم فصل الصیف انطوت فرحۃ الربیع ومات العُشب وجفَّ الماء فلم تعد في الأعشاشِ(عُش الطیر) قمریۃ(نوع من الطیور) تغني ولا تطعم أفراخھا في النھار۔
* لا تستطیع الطیور أن تلھو وتلعب في ھذا الجو الحار مثل اللظي والنار فلا نسیم ولا ندیٰ تتساقط علی النھر في المساءِ، واختفت ألوان الأزھار الجمیلۃ التي کانت رسالۃ الحب لمرھفي الإحساس۔
* فکان کل شیء في الصیف ینطق بالقسوۃ، وحرارۃ الشمس شعلۃٌ ولھیبٌ تتشکی عریشۃ الکرم ولکن للأسف لیس ھُناک جدوۃ ولا وسیلۃ تنقذنا من ھذا الظلم۔
* توضع الشاعرۃ شدۃ کآبۃ ظھیرۃ الصیف، فکل شيء ساکن وکل حی یختفي من شدۃ حرارۃ الشمس۔ فلا صوت ولا إحساس وکلّ شيء تلاشی في الجو فلم یبق إلاّ صوت الطّاحونۃِ المحزونۃ۔
* وبکاءُ الحمامۃ الخائفۃ وصوتُ الغراب بین الکروم، وأزیرٌ من نحلۃٍ تملأُ القلب ملا لاّ وحزناً بصوتھا المشؤوم۔
* ثم ماذا تریٰ العین في الصیف عند ما یأتي المساء المظلم؟ ھل تُریٰ سویٰ منظر النخیل البعیدات وحزن الأشجار، أم تُری سویٰ منظر الرعاۃِ یعودون بأغنامھم حیاری بطیئین بعد یومٍ أمضوہ تحت حرارۃ الشمس في شقوۃٍ وعناءِ، أم تُری سوی الصيادین الذین یعودون في المساء الکئیب لم یصیدوا، بل صادَ ۔ أرواحھم حرّ النھار المؤذي وعیش جذباء قاحلۃ۔
* کلّ یوم نحر من الصباح الباکر فیمضي النھار ولا یحصل علی صیدٍ ، یا لقلب المسکین قد سئمَ من الحیاۃ، فھو یرجع عند الغروب بالزورقِ خافض الألحان، إن تغنّٰی فلا یظھر في أغانیہ إلاّ الشکوی والشقاء۔ یمشي الصیاد المسکین في الشارع معذبًا مصروفاً، یظھر في عینیہ أحزان قلبہ وقد سئم العیش والوجود الألیما۔ فتسلّي الشاعرۃ الصیّاد وتقول لہ بأنہ لیس ھو وحدہ المحزون في دنیا الشقاء، ولکن ھذا سجنُ الحیاۃ قد کبّلت وقیّدت أقیادہ السود کل القلوب المرھفۃ، فھذا ھو شأن الإنسان في ھذہ الدنیا، فالکل یشکو ظلام الرزایا ویظل الإنسان في صراع مع أحوال الدنیا ومع تغیرات الطبیعۃ وتغیرات الجو حتی إلی أن یودع الدنیا ویلاقي الموت۔ ویتغیر أفراحہ ومآسیہ مع تغییر الحیاۃ ولکن للأسف یظل الإنسان یجري وراء حُلم کذوبٍ رسمتہ أو ھامُہ وعجیب أننا نذوق الأسیٰ والحزن وسواد العیش ونظل أحیاء لأن ھذہ ھي سنّۃ الحیاۃ۔
ونظل نکافح مع الأقدار وأن الحادثات في یوم من الأیام لابدّ أن تفني ، ویظل أحلامنا یتحدّی مع الواقع المر ویقسو زماننا المتجني ویظل خوف الغد المظلم مستوراً ولا نعلم ماذا یکون فیہ المصیر، ونخاف بمجرد التفکیر في الظلام المجھول، ونظل نخاف من الظلام المجھول بمجرد التفکیر فیہ، لأنہ ھو سرٌ مستورٌ بالنسبۃ لنا۔
وتتمنّی الشاعرۃ، آہِ لو کان في الحیاۃِ مفرٌ من شقاءِ الأوھام والأفکار، ویالیتنا لو نستطیع التخلص من أعباء الخوفِ الجبّار، ونستطیع القاؤہ في شعاب الھدوء، ولکن للأسف لا مفرّ من ھذہ الھموم إلاّ الموت۔
غزل لبروين شاکر
کيسی بے چہرہ رُتيں آئيں وطن ميں اب کے [29]
کیسی بے چہرہ رُتیں آئیں وطن میں اب کے
پھول آنگن میں کھلے ہیں نہ چمن میں اب کے
برف کے ہاتھ ہی، ہاتھ آئیں گے ، اے موجِ ہوا
حدّتیں مجھ میں ، نہ خوشبو کے بدن میں ، اب کے
دھوپ کے ہاتھ میں جس طرح کھلے خنجر ہوں
کھردرے لہجے کی نوکیں ہیں کرن میں اب کے
دل اسے چاہے جسے عقل نہیں چاہتی ہے
خانہ جنگی ہے عجب ذہن و بدن میں اب کے
جی یہ چاہے ، کوئی پھر توڑ کے رکھ دے مجھ کو
لذتیں ایسی کہاں ہوں گی تھکن میں اب کے
غزل لبروين شاکر: (الترجمة)
1۔ کیسی بے چہرہ رُتیں آئیں وطن سے اب کے
پھول آنگن میں کھلے ہیں نہ چمن میں اب کے
(الترجمہ) ما ھذہِ المواسم غیر المکشوفۃ زارتنا في الدیارِ ھذہ المرۃ لم تتفتّح
الأزھار في الدّارِ ولا علی ضفاف النھر ھذہ المرۃ
2۔ برف کے ہاتھ ہی، ہاتھ آئیں گے، اے موجِ ہوا
حدّتیں مجھ میں ، نہ خوشبو کے بدن میں ، اب
(الترجمہ) تأتي أیدي الثلوج، وأیدي الثلوج الجامدۃ، یا أیتھا الریح أحساس
أمنیتي بداخلي ولا في جسدِ الریح العطرۃِ ھذہِ المرۃ
3۔ دھوپ کے ہاتھ میں جس طرح کھلے خنجر ہوں
کھردرے لہجے کی نوکیں ہیں کرن میں ا ب کے
(الترجمہ) کأن في أیدي الشمس الملتھبة خنجرٌ مسلولٌ
ولھجۃٌ حادۃٌ علی نبر الأشعۃ تنطق بالقسوۃ ھذہ المرۃِ
4۔ دل اسے چاہے جسے عقل نہیں چاہتی ہے
خانہ جنگی ہے عجب ذہن و بدن میں اب کے
(الترجمہ) یُریدُ القلب ما لا یریدہُ العقل
ما ھذع الصراع العجیب بین الذھن والجسم ھذہ المرۃ
5۔ جی یہ چاہے ، کوئی پھر توڑ کے رکھ دے مجھ کو
لذتیں ایسی کہاں ہوں گی تھکن میں اب کے
(الترجمہ) یرید قلبی بأن یُحطمني أحدٌ ویضیعني مرۃً أخریٰ۔
فلن ألاقي مذاق المآسي والأحزان بعد ھذہ المرۃِ۔
الشرح المجمل البسيط ( للغزل) لبروين شاکر
تبدأ الشاعرۃ پروین شاکر أبیاتھا بألفاظ جمیلہ مرادفۃ لفصل الخریف، وفي نفس الوقت تصف فصل الخریف دون أن تبین بألفاظ صریحۃ تدل علی ھذا الفصل، وھذا یعني أنھا وصفت فصل الخریف بمعان دقیقۃ ورائعۃ تدل علی ھذا الفصل دون مصارحتھا۔
وتبدأ أبیاتھا بقولھا ما ھذہ المواسم الغیر مکشوفۃ زارتنا في دارنا ھذہ المرۃ، وھذا بأنھا تسأل نفسھا ما ھذا الفصل وما ھذا الجو الغیر معروف الذي جاء وزار دارنا وبلادنا ھذہ المرۃ۔
ولحظۃ أخری تجیب علی سؤالھا بقولھا لم تتفتح الأزھار في باحۃِ الدّار ولا علی ضفات النھر ھذہ المرۃ۔
ثم توضح الشاعرۃ شدۃٍ قساوۃ فصل الخریف، بأنّ ھذہ المرۃ لم تتفتح الأزھار ولم تنشَر العطر فی الجو لأنّ فصل الخریف فصل الجفاف، وذبول الأزھارِ، وإصفرار الأوراق، ولا تری اخضراراً ولا أزھاراً في حدیقۃ الدار ولا علی ضفاف النھر، فنری أن الشاعرة وضحت المعنیٰ ووصفت فصل الخریف وأعطت صورۃ واضحۃ عن ھذا الفصل دون مصارحتھا بألفاظ واضحۃ، نری أنّ الشاعرۃ عبّرت عن مشاعرھا وإحساسھا نحو ھذا الفصل وأتت بمعانٍ دقیقۃ توضح قساوۃ وجفاف ھذا الفصل دون أن تأتي بألفاظ صریحۃ تدل علی فصل الخریف۔ وفي البیت الثاني تخاطب الشاعرۃ لمسۃٌ من الریح۔ بأنّ إحساس الأماني وجسد الریح العطرۃ ستتجّمد مع الثلوج ھذہ المرۃ۔ وتؤکد ذلک بقولھا، تأتي أیدي الثلوج، تتجمد وتتجمد مع الثلوج یظھر من ذلک أنھا فقدت الأمل بلقاء الجزاء في ھذا الزمن القاسي بداخلھا مثل الثلوج وفی رائحۃ الأزھار، وذلک لأن الورود والأزھار لم تتفتح في فصل الخریف وبعد الخریف أتٰی الشتاء، فھذا الفصل، فصل الجمود فظلت الأزھار متقصّفة ذابلۃ لم تتفتح ولا تنتشر الرائحۃ العطرۃ في الجو، لأن الشتاء فصل الثلوج والقساوۃ والریاح الشدیدۃ الباردۃ، فکل شیء تختبيء وتھاجر أو تموت بسبب البرد القارص۔
وھذا الذي حصل مع الشاعرۃ بأن ماتت الأزھار وتساقطت الأوراق واختفیٰ ألوان الأزھار وعبیرھا، فکلما نظرت إلی الطبیعۃ تری کل شیء متجمدًا حتی أحاسیسھا، نفھم من خلال المعنی أن الشاعرۃ تتحدث عن الشتاء، لأنھا وضحت من خلال تعبیرھا الدقیق وأسلوبھا الجمیل عن ھذا الفصل دون أن تأتي بألفاظ صریحۃ تدل علی فصل الشتاء، وأنّ أحلامھا لن یکتمل وآمالھا لن یتحقق۔
ثم تتکلم الشاعرۃ عن فصل الصیف وکأنّہ في أیدي الشمس الملتھبة، خنجرٌ مسلولٌ ولھجۃٌ حادۃٌ علی نبر الاشعۃِ تنطق بالقسوۃ ھذہ المرۃ۔
یتضح في ھذا انّ الشاعرۃ تتکلم عن فصل الصیف، استعملت ألفاظ وکلمات رائعۃ مناسبۃ تبین شدۃ حرارۃ الصیف دون ان تأتي بألفاظ صریحۃ تدل علی فصل الصیف، فقط أنھا عبرت بإحساسھا نحو الشمس الملتھبة، وکیف أن حرارتہا ونیرانہا مثل الخنجر المسلول الذی یقتل الأحیاء بحدتہ، فکیف للطیور ان تحیا في لھب الشمس الساخن؟
أن أشعۃ الشمس لھجۃٌ حادۃٌ تنطق بالقسوۃِ ھناتصف الشاعرۃ شدۃ حرارۃ ظھیرۃ الصیف فکل حي یختفي خوفاً من شدۃ حرارۃِ الشمس، وحتی الأحاسیس تتلاشی في الجو القاتل وفی شعلۃ الشمس الملتھب۔یرید القلب ما لا یریدہُ العقل۔
ما ھذا الصراع العجیب بین الذھن والجسم ھذہ المرۃ۔ تقول الشاعرۃ فی ھذا البیت بأنّھا لا تستطیع ان تحقق ما ترید، لأن القلب لہ أحلام وآمال وأیضاً العقل لہ أحلام وآمال تختلف عن القلب، فکیف لھا ان توفق بین القلب والعقل۔
لا تستطیع ان تُرضي القلب والعقل معاً فلا بدّ ان تضحي بإحداھما، إمّا العقل أو القلب۔ وتقول ما ھذا الصراع العجیب بین الذھن والجسم، ھنا تؤشر الشاعرۃ بأنّ ھذا جزء من أسرار الحیاۃ۔ یتضح من ذلک أنّ الإنسان لا یستطیع ان یتخلص من الھموم إلى الأبد، فیظل في صراع عجیب ولا یعلم أین المفر من شقاء الأوھام والأفکار۔
یطلب قلبي ان یحطمنی أحدٌ مرۃ أخری، فلن الاقي فراق المآسي والأحزان بعد ھذہ المرۃ ظلّت الشاعرۃ تجری وراء أحلام کاذبۃ، فسئمت من الحیاۃ، فلا تستطیع أن تحقق أحلامھا وطموحاتھا وفقدت أملھا في العیش۔
فیتمنی قلبھا ان یتحطم ویموت، لأنھا ذاقت الأسی والحزن وسواد العیش، فلیس لدیھا الطّاقۃ أن تظل علی قید الحیاۃ بعد ان لاقت العذاب والشقاء، ولا تستطیع أن تتحمل ظروف الزمن القاسي، فتطلب المفر من شقاء الأوھام والأفکار وترید ان تتخلص من أعباء الحیاۃ، فلا مفرّ من ذلک إلاّ الموت فبذلک تکون نھایۃ أفکارھا وطموحاتھا۔
ھذا یدل علی أنّ الشاعرۃ أرادت تقول بأنھا ذاقت طعم العیش المرّ مراراً وتکراراً۔۔۔ فلا یبقی إلا طعم الموت حتی تذوقہ۔
فُصول السنّة والمشاعر(المقارنة)
في کآبۃ الفصول الأربعۃ۔۔۔۔۔۔ توضع الشاعرۃ نازک الملائکۃ بأنّ حیاتنا کلھا یأس وألم وأننا نعیش في عالمٍ مليء بالدموع والعمر کلہ یأس وحزن، تھدأ حالات الزمن القاسي بالآھات ولکننا لا نستطیع أن نفھم أسرار الحیاۃ وغموضھا وحیاتنا تمر بین البکاء والآھات ولا نفھم أین المفر۔
تفقد الشاعرۃ أملھا۔۔۔۔ وتقول بأننا متی سنلاقي الجزاء في ھذا الزمن القاسي، وأن ظروف الزمن قاسیۃ جداً۔۔۔۔ فکیف لھذا الزمن القاسي ان یُلاقینا الجزاء۔
وصفت الشاعرۃ (الحیاۃ) بالنھر وتقول بأننا عبرنا ھذا النھر (نھر الحیاۃ) في حیرۃ وتعجب، وأن الأیام تمضي وتمر حتی تصبح فصولاَ، سنوات، عمرًا، ثم الموت۔
ومن شدۃ الحزن لا نحس متی جاء الربیع ومتی ذھب الخریف۔ تتکلم الشاعرۃ في ھذہ القصیدۃ عن الفصول الأربعۃ واحدۃ تلو الأخری، وأرادت ان توضح بأن الحزن والألم وقساوۃ الزمن وتکالیف الحیاۃ لا تترکنا ان نعیش بسلام مھما کان الفصل وکیفما کان الجو۔ ما دام الحزن ساکن الفؤاد فلا یستطیع أحدٌ ان یبقی في إطمئنان أرادت نازک الملائکۃ ان تظھر وتوضح ما بداخِلھا من أحاسیس ومشاعر وآھات وآلام عن طریق ألفاظھا وحاولت ان تشبہ بالفصول والمواسم، وعبرت عن مشاعرھا بتعبیر صادق۔
وترید ان تقول بأن حالۃ قلبھا الحزین کحالۃ الفصول۔۔۔۔ أحیاناً یطمئن ویرضیٰ وأحیاناً یتناثر ویحزن ثم عندنا شاعرۃ أخریٰ وھي پروین شاکر أیضاً تتحدث عن الفصول۔۔۔۔ وھي أیضاً مثل نازک الملائکۃ أرادت ان تشبہ أحاسیسھا بالمواسم والفصول۔۔۔۔ وأن حالۃ قلبھا مثل نازک الملائکۃ ویتضح أنھا ھي أیضاً فقدت الأمل بلقاء الجزاء في ھذا الزمن القاسي۔ وأنھا أرادت ان تقول بأن فصل الصیف قاسٍ وجافٍ وأن مشاعر وآمال القلب تذبل وتفقد الأمل کذبول الأزھار، وأنّ مشاعر القلب تتجمد في الشتاء کحالۃ ھذا الفصل التي تتجمد کالثلج لأن ھذا فصل الجمود۔
ثم تتحدث عن الصیف وکیف أن أشعۃ الشمس حادۃٌ تنطق بالقسوۃِ۔۔۔۔۔ فالشاعرۃ أرادت أن توضح بأن ھُناک صراعًا بین القلب والعقل، أرادت ان تبین أسرار الحیاۃ وان الإنسان لا یستطیع ان یتخلّص من الھموم إلی الأبد، فیظل في صراع بین القلب والعقل، أرادت ان تبین أسرار الحیاۃ وان الإنسان لا یستطیع ان یتخلّص من الھموم إلی الأبد، فیظل في صراعٍ عجیبٍ ولا یعلم این المفر من شقاء الأوھام والأفکار، فیتمنی القلب ان یموت، لأنہ ذاق الأسی والحزن فلیس لدیہ الطاقۃ ان یظلّ علی قید الحیاۃ۔
تتمنی پروین شاکر ان تتخلص من ھذا العذاب لأنھا لا تستطیع ان تتحمل ظروف الزمن القاسي۔۔۔۔۔فتقول: لا مفرّ من ذلک إلاّ الموت وأنھا ذاقت طعم العیش المر مراراً وتکراراً فلا یبقی إلاّ طعم الموت۔
ھذا یدل علی ان أحاسیس الشاعرتين متقاربۃ کلاھما في قلق وحزن وأنھما شبھتا حالۃ قلوبھما ومشاعرھما وأحزانھما بالفصول، وبالأخص أرادت کلاھما ان توضحا ان الحالات الخارجیۃ لھا الأثر الکبیر في الحالات الداخلیہ من أحاسیس ومشاعرو وحب وعاطفۃ والحزن والفرح والتعب والطموح، ونجد انّ مزاجيھما متقاربان مع أن الأولى عربیۃ والثانیۃ غیر العربیۃ، والأولى في دولۃ والثانیۃ في دولۃ أخری ولکن نجد أنّ الشاعرتين تأثرتا بالمؤثرات المتشابھۃ ووقائع وصعوبات الحیاۃ وحالات الزمن وقساوۃ العیش وتکالیف الأیام۔۔۔۔ یتضح أن الشاعرتين من الزمن المعاصر لتلك المؤثرات تتشابھہ فیما بینھما، سواء أکانت ھذہ الحالات سیاسیۃ أو اقتصادیۃ أو اجتماعیۃ أو غیر ذلك۔
یتضح أنّ الشاعرتين تبینان أفکارھما وتتکلمان عن فصول السّنۃ والمشاعر والأحاسیس الرقیقۃ والمعاني الدقیقۃ حتی توصلا ما بداخلھما إلی القاريء أو السامع بشکل واضح ومتقارب إلی الذھن۔ وأنھما شبھتا الصراع الداخلي بالمواسم والفصول وأنھما فضلتا الموت وأن الموت في اِعتقادھما ھو الرّاحۃ الأبدیۃ۔
[1] الملائكة ، نازك ، ديوان نازك الملائكة (المجلد الأول) – مرجع سبق ذكره ص (171)
[2] يمتلأ ، يمتليئ
[3] تقهرنا
[4] نتسّرب
[5] الجزاء
[6] كالح الوجه ، العبوس
[7] ضربٌ من الحمام ، أسمر اللون (رماديٌ) حسن الصوت
[8] أشغل قلبي
[9] سكوت ، حزن
[10] حزني
[11] فيه الأسى
[12] الأرض البعيدة ، السهلة
[13] يلهو
[14] جمع ربوة وهي ما ارتفع من الأرض
[15] جمع أصيل ، آخر النهار
[16] نوع من الأشجار ينمو قرب المياه في المناطق الباردة والمعتدلة
[17] تعيس ، شقي
[18] سحاب أسود ، أشتد ظلامهُ
[19] رفع الصوت بغناء
[20] العنب ، شجر العنب
[21] سكر مُطرب من أول سكره (سكران)
[22] اسم إله عند الغينيقين وهو ربّهم
[23] الضوء ، النور
[24] (الجدلى) فاض سروراً وفرحاً
[25] غنا شعبي بدوي
[26] آلمت
[27] موسم
[28] صوت النحلة
[29] شاکر ، پروین (ماہ تمام) ، خوشبو ، صفحة (228)
ID | Chapters/Headings | Author(s) | Pages | Info |
ID | Chapters/Headings | Author(s) | Pages | Info |